وفي الكلام حذف تقديره فتولوا إلى عيدهم فأتى إبراهيم الأصنام ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا﴾ قال ابن عباس : حطاماً. وقال الضحاك : أخذ من كل عضوين عضواً. وقيل : وكانت الأصنام مصطفة وصنم منها عظيم مستقبل الباب من ذهب وفي عينيه درتان مضيئتان فكسرها بفأس إلا ذلك الصنم وعلق الفأس في عنقه، وقيل : علقه في يده. وقرأ الجمهور ﴿جُذَاذًا﴾ بضم الجيم والكسائي وابن محيصن وابن مقسم وأبو حيوة وحميد والأعمش في رواية بكسرها، وابن عباس وأبو نهيك وأبو السماك بفتحها وهي لغات أجودها الضم كالحظام والرفات قاله أبو حاتم. وقال اليزيدي ﴿جُذَاذًا﴾ بالضم جمع جذاذة كزجاج وزجاجة. وقيل : بالكسر جمع جذيذ ككريم وكرام. وقيل : الفتح مصدر كالحصاد بمعنى المحصود فالمعنى مجذوذين. وقال قطرب في لغاته الثلاث هو مصدر لا يثنى ولا يجمع. وقرأ يحيى بن وثاب جذذاً بضمتين جمع جذيذ كجديد وجدد. وقرىء جُعذذاً بضم الجيم وفتح الذال مخففاً من فعل كسر رفي سرر جمع سرير وهي لغة لكلب، أو جمع جذة كقبة وقبب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
وأتى بضمير من يعقل في قوله ﴿فَجَعَلَهُمْ﴾ إذ كانت تعبد وقوله ﴿إِلا كَبِيرًا لَّهُمْ﴾ استثناء من الضمير في ﴿فَجَعَلَهُمْ﴾ أي فلم يكسر، والضمير في ﴿لَهُمُ﴾ يحتمل أن يعود على الأصنام وأن يعود على عباده، والكبر هنا عظم الجثة أو كبيراً في المنزلة عندهم لكونهم صاغوه من ذهب وجعلوا في عينيه جوهرتين تضيئان بالليل، والضمير في ﴿إِلَيْهِ﴾ عائد على إبراهيم أي فعل ذلك ترجياً منه أن يعقب ذلك رجعه إليه وإلى شرعه. قال الزمخشري : وإنما استبقى الكبير لأنه غلب في ظنه أنهم لا يرجعون إلا إليه لما تسامعوه من إنكار لدينهم وسبه لآلهتهم فيبكتهم بما أجاب به من قوله ﴿بَلْ فَعَلَه كَبِيرُهُمْ هذا فَسْـاَلُوهُمْ﴾. وقال ابن عطية : يحتمل أن يعود إلى الكبير المتروك ولكن يضعف ذلك دخول الترجي في الكلام انتهى وهو قول الكلبي. قال الزمخشري : ومعنى هذا لعلهم يرجعون إليه كما يرجع إلى العالم في حل المشكلات، فيقولون ما لهؤلاء مكسورة ومالك صحيحاً والفأس على عاتقك قال : هذا بناء
٣٢٢
على ظنه بهم لما جرب وذاق من مكابرتهم لعقولهم واعتقادهم في آلهتهم وتعظيمهم لها أو قاله مع علمه أنهم لا يرجعون إليه استهزاء بهم واستجهالاً، وإن قياس حال من يسجد له ويؤهل للعبادة أن يرجع إليه في حل المشكل فإن قلت : فإذا رجعوا إلى الصنم بمكابرتهم لعقولهم ورسوخ الإشراك في أعراقهم فأي فائدة دينية في رجوعهم إليه حتى يجعله إبراهيم صلوات الله عليه غرضاً ؟ قلت : إذا رجعوا إليه تبين أنه عاجز لا ينفع ولا يضر وظهر أنهم في عبادته على أمرعظيم.
﴿قَالُوا مَن فَعَلَ هذا بِـاَالِهَتِنَآ إِنَّه لَمِنَ الظَّـالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُا إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا ءَأَنتَ فَعَلْتَ هذا بِـاَالِهَتِنَا يَـا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَه كَبِيرُهُمْ هذا فَسْـاَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّـالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَـؤُلاءِ يَنطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْـاًا وَلا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
في الكلام محذوف تقديره : فلما رجعوا من عيدهم إلى آلهتهم ورأوا ما فعل بها استفهموا على سبيل البحث والإنكار فقالوا :﴿مَن فَعَلَ هَـاذَا﴾ أي التكسير والتحطيم إنه لظالم في اجرتائه على الآلهة المستحقة للتعظيم والتوقير ﴿قَالُوا ﴾ أي قال الذين سمعوا قوله ﴿وَتَاللَّهِ لاكِيدَنَّ أَصْنَـامَكُم﴾ ﴿يَذْكُرُهُمْ﴾ أي بسوء. قال الفراء : يقول الرجل للرجل لئن ذكرتني لتندمن أي بسوء. قال الزمخشري : فإن قلت : ما حكم الفعلين بعد ﴿سَمِعْنَا فَتًى﴾ وأي فرق بينهما ؟ قلت : هما صفتان
٣٢٣


الصفحة التالية
Icon