واختلف المفسرون في ذلك على سبعة عشر قولاً أمثلها أنه نهض ليصلي فلم يقدر على النهوض، فقال ﴿مَسَّنِىَ الضُّرُّ﴾ إخباراً عن حالة لا شكوى لبلائه رواه أنس مرفوعاً، والألف واللام في ﴿الضُّرُّ﴾ للجنس تعم ﴿الضُّرُّ﴾ في البدن والأهل والمال. وإيتاء أهله ظاهره أن ما كان له من أهل رده عليه وأحياهم له بأعيانهم، وآتاه مثل أهله مع أهله من الأولاد والأتباع، وذكر أنه جعل له مثلهم عدة في الآخرة. وانتصب ﴿رَحْمَتِ﴾ على أنه مفعول من أجله أي لرحمتا إياه ﴿وَذِكْرَى ﴾ منا بالإحسان لمن عندنا أو ﴿رَحْمَتِ﴾ منا لأيوب ﴿وَذِكْرَى ﴾ أي موعظة لغيره من العابدين، ليصبروا كما صبر حتى يثابوا كما أثيب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
وقال أبو موسى الأشعري ومجاهد : كان ذو الكفل عبداً صالحاً ولم يكن نبياً. وقال الأكثرون : هو نبي فقيل : هو إلياس. وقيل : زكريا. وقيل : يوشع، والكفل لنصيب والحظ أي ذو الحظ من الله المحدود على الحقيقة. وقيل : كان له ضعف عمل الأنبياء في زمانه وضعف ثوابهم. وقيل : في تسميته ذا الكفل أقوال مضطربة لا تصح. وانتصب ﴿مُغَـاضِبًا﴾ على الحال. فقيل : معناه غضبان وهو من المفاعلة التي لا تقتضي اشتراكاً، نحو : عاقبت اللص وسافرت. وقيل ﴿مُغَـاضِبًا﴾ لقومه أغضبهم بمفارقته وتخوفهم حلول العذاب، وأغضبوه حين دعاهم إلى الله مدة فلم يجيبوه فأوعدهم بالعذاب، ثم خرج من بينهم على
٣٣٤
عادة الأنبياء عند نزول العذاب قبل أن يأذن الله له في الخروج. وقيل ﴿مُغَـاضِبًا﴾ للملك حزقيا حين عينه لغزو ملك كان قد عاب في بني إسرائيل فقال له يونس : آلله أمرك بإخراجي ؟ قال : لا، قال فهل سماني لك ؟ قال : لا، قال ههنا غيري من الأنبياء، فألح عليه فخرج ﴿مُغَـاضِبًا﴾ للملك. وقول من قال ﴿مُغَـاضِبًا﴾ لربه وحكى في المغاضبة لربه كيفيات يجب اطّراحه إذ لا يناسب شيء منها منصب النبوة، وينبغي أن يتأول لمن قال ذلك من العلماء كالحسن والشعبي وابن جبير وغيرهم من التابعين، وابن مسعود من الصحابة بأن يكون معنى قولهم ﴿مُغَـاضِبًا﴾ لربه أي لأجل ربه ودينه، واللام لام العلة لا اللام الموصلة للمفعول به. وقرأ أبو شرف مغضباً اسم مفعول.
﴿فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ أي نضيق عليه من القدر لا من القدرة، وقيل : من القدرة بمعنى ﴿أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ الابتلاء. وقرأ الجمهور ﴿نَّقْدِرَ﴾ بنون العظمة مخففاً. وقرأ ابن أبي ليلى وأبو شرف والكلبي وحميد بن قيس ويعقوب بضم الياء وفتح الدال مخففاً، وعيسى والحسن بالياء مفتوحة وكسر الدال، وعليّ بن أبي طالب واليماني بضم الياء وفتح القاف والدال مشددة، والزهري بالنون مضمومة وفتح القاف وكسر الدال مشددة.
﴿فَنَادَى فِى الظُّلُمَـاتِ﴾ في الكلام جمل محذوفة قد أوضحت في سورة والصافات، وهناك نذكر قصته إن شاء الله تعالى وجمع ﴿الظُّلُمَـاتِ﴾ لشدة تكاثفها فكأنها ظلمة مع ظلمة. وقيل : ظلمات بطن الحوت والبحر والليل. وقيل : ابتلع حوته حوت آخر فصار في ظلمتي بطني الحوتين وظلمة البحر. وروي أن يونس سجد في جوف الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر، و﴿ءَانٍ﴾ في ﴿أَن لا إله إِلا أَنتَ﴾ تفسيرية لأنه سبق ﴿فَنَادَى ﴾ وهو في معنى القول، ويجوز أن يكون التقدير بأنه فتكون مخففة من الثقيلة حصر الألوهية فيه تعالى ثم نزهه عن سمات النقص ثم أقر بما بعد ذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
وعن النبيّ صلى الله عليه وسلّم :"ما من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلاّ استجيب له". و﴿الْغَمِّ﴾ ما كان ناله حين التقمه الحوت ومدة بقائه في بطنه. وقرأ الجمهور :﴿نُنَجِّى﴾ مضارع أنجى، والجحدري مشدداً مضارع نجّى. وقرأ ابن عامر وأبو بكر نجى بنون مضمومة وجيم مشددة وياء ساكنة، وكذلك هي في مصحف الإمام ومصاحف الأمصار بنون واحدة، واختارها أبو عبيد لموافقة المصاحف فقال الزجاج والفارسي هي لحن. وقيل : هي مضارع أدغمت النون في الجيم ورد بأنه لا يجوز إدغام النون في الجيم التي هي فاء الفعل لاجتماع المثلين كما حذفت في قراءة من قرأ ونزل الملائكة يريد وننزل الملائكة، وعلى هذا أخرجها أبو الفتح. وقيل : هي فعل ماض مبني لما لم يسم فاعله وسكنت الياء كما سكنها من قرأ وذر وإما بقي من الربا والمقام مقام الفاعل ضمير المصدر أي نجى، هو أي النجاء المؤمنين كقراءة أبي جعفر ﴿لِيَجْزِىَ قَوْمَا ﴾ أي وليجزي هو أي الجزاء، وقد أجاز إقامة غير المفعول من مصدر أو ظرف مكان أو ظرف زمان أو مجرور الأخفش والكوفيون وأبو عبيد، وذلك مع وجود المفعول به وجاء السماع في إقامة المجرور مع وجود المفعول به نحو قوله :
أتيح لي من العدا نذيرابه وقيت الشر مستطيرا


الصفحة التالية
Icon