﴿أَنتُمْ لَهَا﴾ إي للنار ﴿وَارِدُونَ﴾ الورود هنا ورود دخول ﴿لَوْ كَانَ هَـا ؤُلاءِ﴾ أي الأصنام التي تعبدونها ﴿مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ﴾ أي ما دخلوها ودل على أنه ورود دخول قوله ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ وقرأ الجمهور ﴿ءَالِهَةً﴾ بالنصب على خبر ﴿كَانَ﴾. وقرأ طلحة بالرفع على أن في ﴿كَانَ﴾ ضمير الشأن ﴿وَكُلٌّ فِيهَا﴾ أي كل من العابدين ومعبوداتهم.
﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ﴾ وهو صوت نفس المغموم يخرج من القلب، والظاهر أن الزفير إنما يكون ممن تقوم به الحياة وهم العابدون والمعبودون ممن كان يدعي الإلهية كفرعون وكغلاة الإسماعيلية الذين كانوا ملوك مصر من بني عبيد الله أول ملوكهم، ويجوز أن يجعل الله للأصنام التي عبدت حياة فيكون لها زفير. وقال الزمخشري : إذا كانوا هم وأصنامهم في
٣٤٠
قرن واحد جاز أن يقال لهم فيها إن لم يكن الزافرين إلاّ وهم فيها ﴿لا يَسْمَعُونَ﴾ وروي عن ابن مسعود أنهم يجعلون في توابيت من نار فلا يسمعون وقال تعالى ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا ﴾ وفي سماع الأشياء روح فمنع الله الكفار ذلك في النار. وقيل ﴿لا يَسْمَعُونَ﴾ ما يسرهم من كلام الزبانية.
﴿سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوالَئاِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِى مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَـالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الاكْبَرُ وَتَتَلَقَّـاهُمُ الملائكة هذا يَوْمُكُمُ الَّذِى كُنتُمْ تُوعَدُونَ * يَوْمَ نَطْوِى السَّمَآءَ كَطَىِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِا كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُا وَعْدًا عَلَيْنَآا إِنَّا كُنَّا فَـاعِلِينَ * وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزَّبُورِ مِنا بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الارْضَ يَرِثُهَا عِبَادِىَ الصَّـالِحُونَ * إِنَّ فِى هذا لَبَلَـاغًا لِّقَوْمٍ عَـابِدِينَ * وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَـالَمِينَ * قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَـاهُكُمْ إِلَـاهٌ وَاحِدٌا فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ * فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ ءَاذَنتُكُمْ عَلَى سَوَآءٍا وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ * إِنَّه يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّه فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَـاعٌ إِلَى حِينٍ * قَـالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّا وَرَبُّنَا الرَّحْمَـانُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
سبب نزول ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى ﴾ قول ابن الزبعري حين سمع ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : قد خصمتك ورب الكعبة، أليس اليهود عبدوا عزيراً والنصارى عبدوا المسيح، وبنو مليح عبدوا الملائكة فقال صلى الله عليه وسلّم :"هم عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك" فأنزل الله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى ﴾. وقيل : لما اعترض ابن الزبعري قيل لهم : ألستم قوماً عرباً أو ما تعلمون أن من لمن يعقل وما لما لا يعقل، فعلى القول الأول يكون ابن الزبعري قد فهم من قوله ﴿وَمَا تَعْبُدُونَ﴾ العموم فلذلك نزل قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم﴾ الآية تخصيصاً لذلك العموم، وعلى هذا القول الثاني يكون ابن الزبعري رام مغالطة، فأجيب بأن من لمن يعقل وما لما لا يعقل فبطل اعتراضه.
الخصلة المفضلة في الحسن تأنيث الأحسن، إما السعادة وإما البشرى بالثواب، وإما التوفيق للطاعة. والظاهر من قوله ﴿عَنْهَا مُبْعَدُونَ﴾ فما بعده أن من سبقت له الحسنى لا يدخل النار. وروي أن علياً كرم الله وجهه قرأ هذه الآية ثم قال : أنا منهم وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف، ثم أقيمت الصلاة فقام يجرّ رداءه وهو يقول ﴿لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ﴾ والحسيس الصوت الذي يحس من حركة الأجرام، وهذا الإبعاد وانتفاء سماع صوتها قيل هو قبل دخول الجنة. وقيل : بعد دخولهم واستقرارهم فيها، والشهوة طلب النفس اللذة.