هيئته التي خرج بها إلى الدنيا ويؤيده "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً" ﴿كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُا﴾ وقوله ﴿كَمَا بَدَأْنَآ﴾ الكاف متعلقة بقوله ﴿نُّعِيدُهُا﴾ انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
وانتصب ﴿وَعْدًا﴾ على أنه مفعول مصدر مؤكداً لمضمون الجملة الخبرية قبله ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ تأكيد لتحتم الخبر أي نحن قادرون على أن نفعل و﴿الزَّبُورِ﴾ الظاهر أنه زبور داود وقاله الشعبي، ومعنى هذه الآية موجود في زبور داودوقرأناه فيه و﴿الذِّكْرِ﴾ التوراة قاله ابن عباس. وقيل ﴿الزَّبُورِ﴾ ما بعد التوراة من الكتب و﴿الذِّكْرِ﴾ التوراة وقيل ﴿الزَّبُورِ﴾ يعم الكتب المنزلة و﴿الذِّكْرِ﴾ اللوح المحفوظ. ﴿الأرْضُ﴾ قال ابن عباس أرض الجنة. وقيل : الأرض المقدسة ﴿يَرِثُهَآ﴾ أمة محمد صلى الله عليه وسلّم.
والإشارة في قوله ﴿إِنَّ فِى هَذَا﴾ أي المذكور في هذه السورة من الأخبار والوعد والوعيد والمواعظ البالغة لبلاغاً كفاية يبلغ بها إلى الخير. وقيل : الإشارة إلى القرآن جملة، وكونه عليه السلام رحمة لكونه جاءهم بما يسعدهم.
قيل خاص بمن آمن به. وقيل : عام وكونه ﴿مِّنْهُ رَحْمَةً﴾ للكافر حيث أخر عقوبته، ولم يستأصل الكفار بالعذاب قال معناه ابن عباس. قال : عوفي مما أصاب غيرهم من الأمم من مسخ وخسف وغرق وقذف وأخر أمره إلى الآخرة. قال ابن عطية : ويحتمل أن يكون معناه ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ﴾ للعالمين ﴿إِلا رَحْمَةً﴾ أي هو رحمة في نفسه وهدى بين أخذ به من أخذ وأعرض عنه من أعرض انتهى. ولا يجوز على المشهور أن يتعلق الجار بعد ﴿إِلا﴾ بالفعل قبلها إلا أن كان العامل مفرغاً له نحو ما مررت إلاّ بزيد. وقال الزمخشري : إنما تقصر الحكم على شيء أو لقصر الشيء على حكم كقولك : إنما زيد قائم وإنما يقوم زيد وقد اجتمع المثلان في هذه الآية لأن ﴿إِنَّمَا يُوحَى إِلَىَّ﴾ مع فاعله بمنزلة إنما يقوم زيد و﴿أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ﴾ بمنزلة إنما زيد قائم، وفائدة اجتماعهما الدلالة على أن الوحي إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم مقصور على استئثار الله بالوحدانية انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
وأما ما ذكره في ﴿إِنَّمَآ﴾ إنها لقصر ما ذكر فهو مبني على إنما للحصر وقد قررنا أنها لا تكون للحصر، وإنما مع أن كهي مع كان ومع لعل، فكما أنها لا تفيد الحصر في التشبيه ولا الحصر في الترجي فكذلك لا تفيده مع أن وأما جعله ﴿إِنَّمَآ﴾ المفتوحة الهمزة مثل مكسورتها يدل على القصر، فلا نعلم الخلاف إلاّ في ﴿إِنَّمَآ﴾ بالكسر، وأما بالفتح فحرف مصدري ينسبك منع مع ما بعدها مصدر، فالجملة بعدها ليست جملة مستقلة، ولو كانت إنما دالة على الحصر لزم أن يقال إنه لم يوح إليه شيء إلاّ التوحيد. وذلك لا يصح الحصر فيه إذ قد أوحى له أشياء غير التوحيد وفي الآية دليل على تظافر المنقول للمعقول وأن النقل أحد طريقي التوحيد، ويجوز في ما من ﴿إِنَّمَآ﴾ أن تكون موصولة.
﴿فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ استفهام يتضمن الأمر بإخلاص التوحيد والانقياد إلى الله تعالى ﴿ءَاذَنتُكُمْ﴾ أعلمتكم وتتضمن معنى التحذير والنذارة ﴿عَلَى سَوَآءٍ﴾ لم أخص أحداً دون أحد، وهذا الإيذان هو إعلام بما يحل بمن تولى من العقاب وغلبة الإسلام، ولكني لا أدري متى يكون ذلك و﴿ءَانٍ﴾ نافية و﴿أَدْرِى ﴾ معلقة والجملة الاستفهامية في موضع نصب بأدري، وتأخر المستفهم عنه لكونه فاصلة إذ لو كان التركيب ﴿أَقَرِيبٌ﴾ ﴿مَّا تُوعَدُونَ﴾ ﴿أَم بَعِيدٌ﴾ لم تكن فاصلة وكثيراً ما يرجح الحكم في الشيء لكونه فاصلة آخر آية. وعن ابن عامر في رواية ﴿وَإِنْ أَدْرِى ﴾ بفتح الياء في الآيتين تشبيهاً بياء الإضافة لفظاً، وإن كانت لام الفعل ولا تفح إلا بعامل، وأنكر ابن مجاهد فتح هذه الياء والمعنى أنه تعالى لم يعلمني علمه ولم يطلعني عليه، والله هو العالم الذي لا يخفى عليه شيء.
﴿وَإِنْ أَدْرِى لَعَلَّه فِتْنَةٌ﴾ أي لعل تأخير هذا
٣٤٤
الموعد امتحان لكم لننظر كيف تعملون، أو يمتنع لكم إلى حين ليكون ذلك حجة وليقع الموعد في وقت هو حكمة، ولعل هنا معلقه أيضاً وجملة الترجي هي مصب الفعل، والكوفيون يجرون لعل مجرى هل، فكما يقع التعليق عن هل كذلك عن لعل، ولا أعلم أحداً ذهب إلى أن لعل من أدوات التعليق وإن كان ذلك ظاهراً فيها كقوله ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّه يَزَّكَّى ﴾ وقيل ﴿إِلَى حِينٍ﴾ إلى يوم القيامة. وقيل : إلى يوم بدر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
وقرأ الجمهور ﴿قُل رَّبِّ﴾ أمروا بكسر الباء. وقرأ حفص قال وأبو جعفر ﴿رَبِّ﴾ بالضم. قال صاحب اللوامح : على أنه منادى مفرد وحذف حرف النداء فيما جاز أن يكون وصفاً لأي بعيد بابه الشعر انتهى. وليس هذا من نداء النكرة المقبل عليها بل هذا من اللغات الجائزة في يا غلامي، وهي أن تبنيه على الضم وأنت تنوي الإضافة لما قطعته عن الإضافة وأنت تريدها بنيته، فمعنى ﴿رَبِّ﴾ يا ربي. وقرأ الجمهور ﴿أَحْكَمُ﴾ على الأمر من حكم. وقرأ ابن عباس وعكرمة والجحدري وابن محيصن ربي بإسكان الياء أحكم جعله أفعل التفضيل فربي أحكم مبتدأ وخبر. وقرأت فرقة أحكم فعلاً ماضياً. وقرأ الجمهور ﴿تَصِفُونَ﴾ بتاء الخطاب. وروي أن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قرأ على أبي على ما يصفون بياء الغيبة، ورويت عن ابن عامر وعاصم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧