سلي الطارق المعتر يا أمّ مالكإذا ما اعتراني بين قدري ومجزري وقال الآخر :
لعمرك ما المعتر يغشى بلادنا
لنمنعه بالضائع المنهضم
﴿يَـا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُم إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَـارَى وَمَا هُم بِسُكَـارَى وَلَـاكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ * وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَـادِلُ فِى اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَـانٍ مَّرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّه مَن تَوَلاهُ فَأَنَّه يُضِلُّه وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ * يَـا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَـاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُم وَنُقِرُّ فِى الارْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُم وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنا بَعْدِ عِلْمٍ شَيْـاًا وَتَرَى الارْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنابَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجا بَهِيجٍ * ذَالِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّه يُحْىِ الْمَوْتَى وَأَنَّه عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِى الْقُبُورِ﴾ إلى تمام ثلاث آيات قاله ابن عباس ومجاهد، وعن ابن عباس أيضاً إنهن أربع آيات إلى قوله ﴿عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ وقال الضحاك : هي مدنية. وقال قتادة : إلاّ من قوله ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ﴾. وقال الجمهور : منها مكي ومنها مدني.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
ومناسبة أولهذه السورة لما قبلها أنه ذكر تعالى حال الأشقياء والسعداء وذكر الفزع الأكبر وهو ما يقول يوم القيامة، وكان مشركو مكة قد أنكروا المعاد وكذبوه بسبب تأخر العذاب عنهم. نزلت هذه السورة تحذيراً لهم وتخويفاً لما انطوت عليه من ذكر زلزلة الساعة وشدّة هولها، وذكر ما أعد لمنكرها وتنبيههم على البعث بتطويرهم في خلقهم، وبهمود الأرض واهتزازها بعد بالنبات، والظاهر أن قوله ﴿يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ﴾ عام. وقيل : المراد أهل مكة، ونبه تعالى على سبب اتقائه وهو ما يؤول إليه من أهوال الساعة وهو على حذف مضاف أي ﴿اتَّقَوا ﴾ عذاب ﴿رَبُّكُمْ﴾، والزلزلة الحركة المزعجة وهي عند النفخة الأولى. وقيل : عند الثانية. وقيل : عند قول الله يا آدم ابعث بعث النار. وقال الجمهور : في الدنيا آخر الزمان ويتبعها طلوع الشمس من مغربها. وعن الحسن : يوم القيامة. وعن علقمة والشعبي : عند طلوع الشمس من مغربها، وأضيفت إلى الساعة لأنها من أشراطها، والمصدر مضاف للفاعل فالمفعول المحذوف وهو الأرض يدل عليه ﴿إِذَا زُلْزِلَتِ الارْضُ زِلْزَالَهَا﴾ والناس ونسبة الزلزلة إلى ﴿السَّاعَةَ﴾ مجاز، ويجوز أن يضاف إلى المفعول به على طريقة الاتساع في الظرف، فتكون ﴿السَّاعَةَ﴾ مفعولاً بها وعلى هذه التقادير يكون ثم ﴿زَلْزَلَةَ﴾ حقيقة.
وقال الحسن : أشد الزلزال ما يكون مع قيام الساعة. وقيل : الزلزلة استعارة، والمراد أشد الساعة وأهوال يوم القيامة و﴿شَىْءٍ﴾ هنا يدل على إطلاقه على المعدوم لأن الزلزلة لم تقع بعد، ومن منع إيقاعه على المعدوم قال : جعل الزلزلة شيئاً لتيقن وقوعها وصيرورتها إلى الوجود.
وذكر تعالى أهول الصفات في قوله ﴿تَرَوْنَهَا﴾ الآية لينظروا إلى تلك الصفة ببصائرهم ويتصوروها بعقولهم ليكون ذلك حاملاً على تقواه تعالى إذ لا نجاة من تلك الشدائد إلاّ بالتقوى. وروي أن هاتين الآيتين نزلتا ليلاً في غزوة بني المصطلق فقرأهما رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فلم ير أكثر باكياً من تلك الليلة، فلما أصبحوا لم يحطوا السروج عن الدواب ولم يضربوا الخيام وقت النزول ولم يطبخوا قدراً، وكانوا من بين حزين باك ومفكر. والناصب ليوم ﴿تَذْهَلُ﴾ والظاهر أن الضمير المنصوب في ﴿تَرَوْنَهَا﴾ عائداً على الزلزلة لأنها المحدث عنها، ويدل على ذلك وجود ذهول المرضعة ووضع الحمل هذا إذا أريد الحقيقة وهي الأصل، ويكون ذلك في الدنيا. وعن الحسن ﴿تَذْهَلُ﴾ المرضعة عن ولدها لغير فطام ﴿وَتَضَعُ﴾ الحامل ما في بطنها لغير تمام. وقالت فرقة : الضمير يعود على
٣٤٩
﴿السَّاعَةَ﴾ فيكون الذهول والوضع عبارة عن شدة الهول في ذلك اليوم، ولا ذهول ولا وضع هناك كقولهم : يوم يشيب فيه الوليد. وجاء لفظ ﴿مُرْضِعَةٍ﴾ دون مرضع لأنه أريد به الفعل لا النسب، بمعنى ذات رضاع. وكما قال الشاعر :