الخبر، وقد أجيز العكس. وقال ابن عطية : والمعنى ﴿الَّذِى جَعَلْنَـاهُ لِلنَّاسِ﴾ قبلة أو متعبداً انتهى. ولا يحتاج إلى هذا التقدير إلاّ إن كان أراد تفسير المعنى لا الإعراب فيسوغ لأن الجملة في موضع المفعول الثاني، فلا يحتاج إلى هذا التقدير. وقرأ حفص والأعمش ﴿سَوَآءٌ﴾ بالنصب وارتفع به ﴿الْعَـاكِفُ﴾ لأنه مصدر في معنى مستو اسم الفاعل. ومن كلامهم : مررت برجل سواء هو والعدم، فإن كانت جعل تتعدى إلى اثنين فسواء الثاني أو إلى واحد فسواء حال من الهاء. وقرأت فرقة منهم الأعمش في رواية القطعي ﴿سَوَآءٌ﴾ بالنصب ﴿الْعَـاكِفُ فِيهِ﴾ بالجر. قال ابن عطية : عطفاً على الناس انتهى. وكأنه يريد عطف البيان الأولى أن يكون بدل تفصيل.
وقرىء وصلاً ووقفاً وبتركها فيهما، وبإثباتها وصلاً وحذفها وقفاً ﴿سَوَآءً الْعَـاكِفُ﴾ المقيم فيه الطارىء عليه، وأجمعوا على الاستواء في نفس المسجد الحرام واختلفوا في مكة، فذهب عمر وابن عباس ومجاهد وجماعة إلى أن الأمر كذلك في دوس مكة، وأن القادم له النزول حيث وجد وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أو أبى، وقال به الثوري وكذلك كان الأمر في الصدر الأول. قال ابن سابط : وكانت دورهم بغير أبواب حتى كثرت السرقة، فاتخذ رجل باباً فأنكر عليه عمر وقال : أتغلق باباً في وجه حاج بيت الله ؟ فقال : إنما أردت حفظ متاعهم من السرقة فتركه، فاتخذ الناس الأبواب وهذا الخلاف مترتب على الخلاف في فتح مكة أكان عنوة أو صلحاً ؟ وهي مسألة يبحث عنها في الفقه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
والإلحاد الميل عن القصد. ومفعول ﴿مِنا بَرَدٍ﴾ قال أبو عبيدة هو ﴿بِإِلْحَاد﴾ والباء زائدة في المفعول. قال الأعشى :
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا
أي رزق وكذا قراءة الحسن منصوباً قرأ ﴿وَمَن يُرِدِ﴾ إلحاده بظلم أي إلحاداً فيه فتوسع. وقال ابن عطية : يجوز أن يكون التقدير ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ﴾ الناس ﴿بِإِلْحَاد﴾. وقال الزمخشري :﴿بِإِلْحَادا بِظُلْمٍ﴾ حالان مترادفتان ومفعول ﴿يُرِدْ﴾ متروك ليتناول كل متناول، كأنه قال ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ﴾ مراد إمّا عادلاً من القصد ظالماً ﴿نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وقيل : الإلحاد في الحرم منع الناس عن عمارته. وعن سعيد بن جبير : الاحتكار. وعن عطاء : قول الرجل في المبايعة لا والله وبلى والله انتهى. والأولى أن تضمن ﴿يُرِدْ﴾ معنى يتلبس فيتعدى بالباء. وعلق الجزاء وهو ﴿نُذِقْهُ﴾ على الإرادة، فلو نوى سيئة ولم يعملها لم يحاسب بها إلاّ في مكة وهذا قول ابن مسعود وجماعة. وقال ابن عباس : الإلحاد هنا الشرك. وقال أيضاً : هو استحلال الحرام. وقال مجاهد : هو العمل السيىء فيه. وقال ابن عمر : لا والله وبلى والله من الإلحاد. وقال حبيب بن أبي ثابت : الحكر بمكة من الإلحاد بالظلم، والأولى حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على الحصر إذ الكلام يدل على العموم. وقرأت فرقة ﴿وَمَن يُرِدِ﴾ بفتح الياء من الورود وحكاها الكسائي والفراء ومعناه ومن أتى به ﴿بِإِلْحَاد﴾ ظالماً. ولما ذكر تعالى حال الكفار وصدهم عن المسجد الحرام وتوعد فيه من أراد فيه بإلحاد ذكر حال أبيهم إبراهيم وتوبيخهم على سلوكهم غير طريقه من كفرهم باتخاذ الأصنام وامتنانه عليهم بإنفاد العالم إليهم ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا﴾ أي واذكر ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا﴾ أي جعلنا ﴿لابْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ﴾ مباءة أي مرجعاً يرجع إليه للعمارة والعبادة. قيل : واللام زائدة أي بوّأنا إبراهيم مكان البيت أي جعلنا يبوء إليه كقوله ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًَا﴾ وقال الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
كم صاحب لي صالحبوّأته بيدي لحدا
وقيل : مفعول ﴿بَوَّأْنَا﴾ محذوف تقديره بوّأنا الناس، واللام في ﴿لابْرَاهِيمَ﴾ لام العلة أي لأجل إبراهيم كرامة له وعلى يديه. والظاهر أن قوله ﴿أَن لا تُشْرِكْ بِى شَيْـاًا﴾ خطاب لإبراهيم وكذا ما بعده من الأمر. وقيل : هو خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلّم ﴿وَإِنَّ﴾ مخففة من الثقيلة قاله ابن عطية، والأصل أن يليها فعل تحقيق أو ترجيح كحالها إذا كانت مشددة أو حرف تفسير. قاله الزمخشري وابن عطية
٣٦٣
وشرطها أن يتقدمها جملة في معنى القول و﴿بَوَّأْنَا﴾ ليس فيه معنى القول، والأولى عندي أن تكون ﴿ءَانٍ﴾ الناصبة للمضارع إذ يليها الفعل المتصرف من ما ض ومضارع وأمر النهي كالأمر.
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف يكون النهي عن الشرك والأمر بتطهير البيت تفسيراً للتبوئة ؟ قلت : كانت التبوئة مقصودة من أجل العبادة، فكأنه قيل تعبدنا إبراهيم قلنا له ﴿لا تُشْرِكْ بِى شَيْـاًا وَطَهِّرْ بَيْتِىَ﴾ من الأصنام والأوثان والأقذار أن تطرح حوله.


الصفحة التالية
Icon