والبهيمة مبهمة في كل ذات أربع في البر والبحر، فبينت بالأنعام وهي الإبل والبقر والضأن والمعز وتقدم الخلاف في مدلول ﴿بَهِيمَةُ الانْعَـامِ﴾ في أول المائدة، والظاهر وجوب الأكل والإطعام. وقيل : باستحبابهما. وقيل : باستحباب الأكل ووجوب الإطعام. و﴿الْبَآاِسَ﴾ الذي أصابه بؤس أي شدة. والتفث : ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر وحلقه وإزالة شعثه ونحوه من إقامة الخمس من الفطرة حسب الحديث، وفي ضمن ذلك قضاء جميع مناسكه إذ لا يقضي التفث إلاّ بعد ذلك. وقال ابن عمر : التفث ما عيهم من الحج وعنه المناسك كلها، والنذور هنا ما ينذرونه من أعمال البر في حجهم. وقيل : المراد الخروج عما وجب عليهم نذروا أو لم ينذروا. وقرأ شعبة عن عاصم ﴿وَلْيُوفُوا ﴾ مشدّداً والجمهور مخففاً ﴿وَلْيَطَّوَّفُوا ﴾ هو طواف الإفاضة وهو طواف الزيارة الذي هو من أركان الحج، وبه تمام التحلل. وقيل : هو طواف الصدر وهو طواف الوداع. وقال الطبري : لا خلاف بين المتأولين أنه طواف الإفاضة. قال ابن عطية : ويحتمل بحسب الترتيب أن يكون طواف الوداع انتهى.
و﴿الْعَتِيقِ﴾ القديم قاله الحسن وابن زيد، أو المعتق من الجبابرة قاله ابن الزبير وابن أبي نجيح وقتادة، كم جبار سار إليه فأهلكه الله قصده تبع ليهدمه فأصابه الفالج، فأشار الأخيار عليه أن يكف عنه وقالوا له : رب يمنعه فتركه وكساه وهو أول من كساه، وقصده أبرهة فأصابه ما أصابه وأما الحجاج فلم يقصد التسليط على البيت لكن تحصن به ابن الزبير فاحتال لإخراجه ثم بناه أو المحرر لم يملك موضعه قط قاله مجاهد، أو المعتق من الطوفان قاله مجاهد أيضاً وابن جبير، أو الجيد من قولهم : عتاق الخيل وعتاق الطير أو الذي يعتق فيه رقاب المذنبين من العذاب. قال ابن عطية : وهذا يردّه التصريف انتهى. ولا يرده التصريف لأنه فسره تفسير معنى، وأما من حيث الإعراب فلأن ﴿الْعَتِيقِ﴾ فعيل بمعنى مفعل أي معتق رقاب المذنبين، ونسب الإعتاق إليه مجازاً إذ بزيارته والطواف به يحصل الإعتاق، وينشأ عن كونه معتقاً أن يقال فيه : يعتق فيه رقاب المذنبين.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
﴿ذَالِكَ﴾ خبر مبتدأ محذوف قدّره ابن عطية فرضكم ﴿ذَالِكَ﴾ أو الواجب ﴿ذَالِكَ﴾ وقدّره الزمخشري الأمر أو الشأن ﴿ذَالِكَ﴾ قال كما يقدم الكاتب جملة من كتابه في بعض المعاني، ثم إذا أراد الخوض في معنى آخر قال : هذا وقد كان كذا انتهى. وقيل : مبتدأ محذوف الخبر أي ﴿ذَالِكَ﴾ الأمر الذي ذكرته. وقيل في موضع نصب تقديره امتثلوا ﴿ذَالِكَ﴾ ونظير هذه الإشارة البليغة قول زهير وقد تقدم له جمل في وصف هرم :
٣٦٥
هذا وليس كمن يعيا بخطبتهوسط الندى إذا ما ناطق نطقا وكان وصفه قبل هذا بالكرم والشجاعة، ثم وصفه في هذا البيت بالبلاغة فكأنه قال : هذا خلقه وليس كمن يعيا بخطبته، والحرمات ما لا يحل هتكه وجميع التكليفات من مناسك الحج وغيرها حرمه، والظاهر عمومه في جميع التكاليف، ويحتمل الخصوص مبا يتعلق بالحج وقاله الكلبي قال : ما أمر به من المناسك، وعن ابن عباس هي جميع المناهي في الحج : فسوق وجدال وجماع وصيد. وعن ابن زيد هي خمس المشعر الحرام، والمسجد الحرام، والبيت الحرام، والشهر الحرام، والمحرم حتى يحل. وضمير ﴿فَهُوَ﴾ عائد على المصدر المفهوم من قوله ﴿وَمَن يُعَظِّمْ﴾ أي فالتعظيم ﴿خَيْرٌ لَّه عِندَ رَبِّهِا﴾ أي قربة منه وزيادة في طاعته يثيبه عليها، والظاهر أن خيراً هنا ليس أفعل تفضيل.
﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الانْعَـامُ﴾ دفعاً لما كانت عليه من تحريم أشياء برأيها كالبحيرة والسائبة، ويعني بقوله ﴿إِلا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ ما نص في كتابه على تحريمه، والمعنى ﴿مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾ آية تحريمه.
ولما حث على تعظيم حرمات الله وذكر أن تعظيمها خير لمعظمها عند الله أتبعه الأمر باجتناب الأوثان وقول الزور لأن توحيد الله ونفي الشركاء عنه وصدق القول أعظم الحرمات، وجمعا في قران واحد لأن الشرك من باب الزور لأن المشرك يزعم أن الوثن يستحق العبادة فكأنه قال ﴿فَاجْتَنِبُوا ﴾ عبادة ﴿الاوْثَـانِ﴾ التي هي رأس الزور ﴿وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ كله. و﴿مِنْ﴾ في ﴿مِنَ الاوْثَـانِ﴾ لبيان الجنس، ويقدر بالموصول عندهم أي الرجس الذي هو الأوثان، ومن أنكر أن تكون ﴿مِنْ﴾ لبيان الجنس جعل ﴿مِنْ﴾ لابتداء الغاية فكأنه نهاهم عن الرجس عاماً ثم عين لهم مبدأه الذي منه يلحقهم إذ عبادة الوثن جامعة لكل فساد ورجس، وعلى القول الأول يكون النهي عن سائر الأرجاس من موضع غير هذا.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥


الصفحة التالية
Icon