وما قدره عار من راجع إلى الجزاء إلى ﴿مِنْ﴾ ألا ترى أن قوله فإن تعظيمها من أفعال القلوب ليس في شيء منه ضمير يعود إلى ﴿مِنْ﴾ يربط جملة الجزاء بجملة الشرط الذي أداته ﴿مِنْ﴾ وإصلاح ما قاله أن يكون التقدير فأي تعظيمها منه، فيكون الضمير في منه عائداً على من فيرتبط الجزاء بالشرط.
وقرىء ﴿الْقُلُوبُ﴾ بالرفع على الفاعلية بالمصدر الذي هو ﴿تَقْوَى﴾ والضمير في ﴿فِيهَا﴾ عائد على البدن على قول الجمهور، والمنافع درها ونسلها وصوفها وركوب ظهرها ﴿إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ وهو أن يسميها ويوجبها هدياً فليس له شيء من منافعها. قاله ابن عباس في رواية مقسم، ومجاهد وقتادة والضحاك. وقال عطاء : منافع الهدايا بعد إيجابها وتسميتها هدياً بأن تركب ويشرب لبنها عند الحاجة ﴿إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ أي إلى أن تنحر. وقيل : إلى أن تشعر فلا تركب إلاّ عند الضرورة. وروى أبو رزين عن ابن عباس : الأجل المسمى الخروج من مكة. وعن ابن عباس ﴿إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ أي إلى الخروج والانتقال من هذه الشعائر إلى غيرها. وقيل : الأجل يوم القيامة. وقال الزمخشري : إلى أن تنحر ويتصدق بلحومها ويؤكل منها.
و﴿ثُمَّ﴾ للتراخي في الوقت فاستعيرت للتراخي في الأفعال، والمعنى أن لكم في الهدايا منافع كثيرة في دنياكم ودينكم وإنما يعبد الله بالمنافع الدينية قال تعالى :﴿تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الاخِرَةَ﴾ وأعظم هذه المنافع وأبعدها شوطاً في النفع محلها إلى البيت أي وجوب نحرها، أو وقت وجوب نحرها منتهية إلى البيت كقوله ﴿هَدْيَا بَـالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ والمراد نحرها في الحرم الذي هو في حكم البيت لأن الحرم هو حريم البيت، ومثل هذا في الاتساع قولك : بلغنا البلد وإنما شارفتموه واتصل مسيركم بحدوده. وقيل : المراد بالشعائر المناسك كلها و﴿مَحِلُّهَآ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ﴾ يأباه انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
وقال القفال : الهدي المتطوع به إذا عطب قبل بلوغ مكة فإن محله موضعه، فإذا بلغ منى فهي محله وكل فجاج مكة. وقال ابن عطية : وتكرر ﴿ثُمَّ﴾ لترتيب الجمل لأن المحل قبل الأجل، ومعنى الكلام عند هاتين الفريقين يعني من قال مجاهد ومن وافقه، ومن قال بقول عطاء ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَآ﴾ إلى موضع النحر فذكر البيت لأنه أشرف الحرم وهو المقصود بالهدي وغيره، والأجل الرجوع إلى مكة لطواف الإفاضة وقوله ﴿ثُمَّ مَحِلُّهَآ﴾ مأخوذ من إحلال المحرم معناه، ثم أخر هذا كله إلى طواف الإفاضة بالبيت العتيق، فالبيت على هذا التأويل مراد بنفسه قاله مالك في الموطأ انتهى.
والمنسك مفعل من نسك واحتمل أن يكون موضعاً للنسك، أي مكان نسك، واحتمل أن يكون مصدراً واحتمل أن يراد به مكان العبادة مطلقاً أو العبادة، واحتمل أن يراد نسك خاص أو نسكاً خاصاً وهو موضع ذبح أو ذبح، وحمله الزمخشري على الذبح، يقال : شرع الله لكل أمة أن ينسكوا له أي يذبحوا لوجهه على وجه التقرب، وجعل العلة في ذلك أن يذكر اسمه تقدست أسماؤه على المناسك انتهى. وقياس بناء مفعل مما مضارعه يفعل يضم العين مفعل بفتحها في المصدر والزمان والمكان، وبالفتح قرأ الجمهور. وقرأ بكسرها الأخوان وابن سعدان وأبو حاتم عن أبي عمرو ويونس ومحبوب وعبد الوارث إلا القصبي عنه. قال ابن عطية : والكسر في هذا من الشاذ ولا يسوغ فيه القياس، ويشبه أن يكون الكسائي
٣٦٨
سمعه من العرب. وقال الأزهري : مينسك ومنسك لغتان. وقال مجاهد : المنسك الذبح، وإراقة الدماء يقال : نسك إذا ذبح، والذبيحة نسيكة وجمعها نسك. وقال الفرّاء : المنسك في كلام العرب المعتاد في خير وبر. وقال ابن عرفة ﴿مَنسَكًا﴾ أي مذهباً من طاعة الله، يقال : نسك نسك قومه إذا سلك مذهبهم. وقال الفراء ﴿مَنسَكًا﴾ عيداً وقال قتادة : حجاً.


الصفحة التالية
Icon