والظاهر أنه يجوز في إعراب ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّـاهُمْ فِى الارْضِ﴾ ما جاز في إعراب ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا ﴾ وقال الزجاج : هو منصوب بدل ممن ينصره، والتمكين السلطنة ونفاذ الأمر على الخلق، والظاهر أنه من وصف المأذون لهم في القتال وهم المهاجرون، وفيه إخبار بالغيب عما يكون عليه سيرتهم إن مكن لهم في الأرض وبسط لهم في الدنيا، وكيف يقومون بأمر الدين. وعن عثمان رضي الله عنه : هذا والله ثناء قبل بلاء، يريد أن الله قد أثنى عليهم قبل أن يحدثوا من الخير ما أحدثوا، وقالوا : فيه دليل على صحة أمر الخلفاء الراشدين لأن الله تعالى لم يجعل التمكن ونفاذ الأمر مع السيرة العادلة لغيرهم من المهاجرين لا حظ في ذلك للأنصار والطلقاء. وفي الآية أخذ العهد على من مكنه الله أن يفعل ما رتب على التمكين في الآية. وقيل : نزلت في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلّم. وعن الحسن وأب العالية : هم أمّته عليه السلام. وعن عكرمة : هم أهل الصلوات الخمس، وهو قريب مما قبله. وقال ابن أبي نجيح : هم الولاة. وقال الضحاك : هو شرط شرطه الله من آناه الملك.
وقال ابن عباس : المهاجرون والأنصار والتابعون ﴿وَلِلَّهِ عَـاقِبَةُ الامُورِ﴾ توعد للمخالف ما ترتب على التمكين ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ﴾ الآية فيها تسلية للرسول بتكذيب من سبق من الأمم المذكورة لأنبيائهم، ووعيد لقريش إذ مثلهم بالأمم المكذبة المعذبة وأسند الفعل بعلامة التأنيث من حيث أراد الأمة والقبيلة، وبنى الفعل للمفعول في ﴿وَكُذِّبَ مُوسَى ﴾ أن قومه لم يكذبوه وإنما كذبه القبط ﴿فَأَمْلَيْتُ لِلْكَـافِرِينَ﴾ أي أمهلت لهم وأخرت عنهم العذاب مع علمي بفعلهم، وفي قوله ﴿فَأَمْلَيْتُ لِلْكَـافِرِينَ﴾ ترتيب الإملاء على وصف الكفر، فكذلك قريش أملى تعالى لهم ثم أخذهم في غزوة بدر وفي فتح مكة وغيرهما، والأخذ كناية عن العقاب والإهلاك، النكير مصدر كالندير المراد به المصدر، والمعنى فكيف كان إنكاري عليهم وتبديل حالهم الحسنة بالسيئة وحياتهم بالهلاك ومعمورهم بالخراب ؟ وهذا استفهام يصحبه معنى التعجب، كأنه قيل : ما أشد ما كان إنكاري عليهم وفي الجملة إرهاب لقريش ﴿فَكَأَيِّن﴾ للتكثير، واحتمل أن يكون في موضع رفع على الابتداء وفي موضع نصب على الاشتغال.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠
وقرأ أبو عمرو وجماعة أهلكها بتاء المتكلم، والجمهور بنون العظمة ﴿وَهِىَ ظَـالِمَةٌ﴾ جملة حالية ﴿فَهِىَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ تقدم تفسير هذه الجملة في البقرة في قوله ﴿أَوْ كَالَّذِى مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ﴾ وقال الزمخشري : فإن قلت : ما محل الجملتين من الإعراب ؟ أعني ﴿وَهِىَ ظَالِمَةٌ فَهِىَ خَاوِيَةٌ﴾ قلت : الأولى في محل نصب على الحال، والثانية لا محل لها لأنها معطوفة على وهذا الفعل ليس له محل انتهى.
وهذا الذي قاله ليس بجيد لأن ﴿نَكِيرِ * فَكَأَيِّن﴾ الأجود في إعرابها أن تكون مبتدأة والخبر الجملة من قوله ﴿أَهْلَكْنَـاهَآ﴾ فهي في موضع رفع والمعطوف على الخبر خبر، فيكون قوله ﴿فَهِىَ خَاوِيَةٌ﴾ في موضع رفع، لكن يتجه قول الزّمخشري على الوجه القليل وهو إعراب ﴿فَكَأَيِّن﴾ منصوباً بإضمار فعل على الاشتغال، فتكون الجملة من قوله مفسرة لذلك الفعل، وعلى هذا لا محل لهذه الجملة المفسرة فالمعطوف عليها لا محل له.
وقرأ الجحدري والحسن وجماعة ﴿وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ﴾ مخففاً يقال : عطلت البئر وأعطلتها فعطلت، هي بفتح الطاء، وعطلت المرأة من الحليّ بكسر الطاء. قال الزمخشري : ومعنى المعطلة أنها عامرة فيها الماء ومعها آلات الاستقاء إلاّ أنها عطلت أي تركت لا يستقى منها لهلاك أهلها، والمشيد المجصص أو المرفوع البنيان والمعنى كم قرية أهلكنا، وكم بئر عطلنا عن سقاتها و﴿وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ﴾ أخليناه عن ساكنيه، فترك ذلك لدلالة ﴿مُّعَطَّلَةٍ﴾ عليه انتهى.
﴿وَبِئْرٍ﴾ ﴿وَقَصْرٍ﴾ معطوفان على ﴿مِن قَرْيَةٍ﴾ ﴿فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ﴾
٣٧٦
تمييز لكأين، ﴿وَكَأَيِّن﴾ تقتضي التكثير، فدل ذلك على أنه لا يراد بقربه وبئر وقصر معين، وإن كان الإهلاك إنما يقع في معين لكن من حيث الوقوع لا من حيث دلالة اللفظ، وينبغي أن يكون ﴿مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ﴾ من حيث عطفاً على ﴿مِن قَرْيَةٍ﴾ أن يكون التقدير أهلكتهما كما كان أهلكتها مخبراً به عن الذي هو القرية من حيث المعنى. والمراد أهل القرية والبئر والقصر، وجعل ﴿عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ﴾ معطوفين على ﴿عُرُوشِهَا﴾ جهل بالفصاحة ووصف القصر بمشيد ولم يوصف بمشيد كما في قوله في ﴿بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ لأن ذلك جمع ناسب التكثير فيه، وهذا مفرد وأيضاً ﴿مَّشِيدٍ﴾ فاصلة آية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠


الصفحة التالية
Icon