يخاف الله قال :"لا يا ابنة الصديق ولكنه هو الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو على ذلك يخاف الله أن لا يقبل". قيل : وجل العارف من طاعته أكثر من مخالفته لأن المخالفة تمحوها التوبة والطاعة تطلب التصحيح. وقال الحسن : المؤمن يجمع إحساناً وشفقة، والمنافق يجمع إساءة وأمناً. وقرأ الأعمش ﴿أَنَّهُمْ﴾ بالكسر. وقال أبو عبد الله الرازي ترتيب هذه الصفات في نهاية الحسن لأن الأولى دلت على حصول الخوف الشديد الموجب للاحتراز، والثانية على تحصيل الإيمان بالله، والثالثة على ترك الرياء في الطاعة، والرابعة على أن المستجمع لهذه الصفات الثلاثة يأتي بالطاعات مع خوف من التقصير وهو نهاية مقامات الصديقين انتهى.
﴿أُوالَئاِكَ يُسَـارِعُونَ﴾ جملة في موضع خبر أن. قال ابن زيد ﴿الْخَيْرَاتِ﴾ المخافتة والإيمان والكف عن الشرك. قال الزمخشري :﴿يُسَـارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ﴾ يحتمل معنيين أحدهما أن يراد يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها، والثاني أنهم يتعجلون في الدنيا المنافع، ووجوه الإكرام كما قال ﴿فَـاَاتَـاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الاخِرَةِ﴾ ﴿وَ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَـاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِى ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَـابَ﴾ لأنهم إذا سورع بها لهم فقد سارعوا في نيلها وتعجلوها، وهذا الوجه أحسن طباقاً للآية المتقدمة لأن فيه إثبات ما نفي عن الكفار للمؤمنين انتهى. وقرأ الحر النحوي : يسرعون مضارع أسرع، يقال أسرعت إلى الشيء وسرعت إليه بمعنى واحد، وأما المسارعة فالمسابقة أي يسارعون غيرهم. قال الزجاج ﴿يُسَـارِعُونَ﴾ أبلغ من يسرعون انتهى. وجهة المبالغة أن المفاعلة تكون من اثنين فتقتضي حث النفس على السبق لأن من عارضك في شيء تشتهي أن تغلبه فيه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
﴿وَهُمْ لَهَا سَـابِقُونَ﴾ الظاهر أن الضمير في ﴿لَهَا﴾ عائد على ﴿الْخَيْرَاتِ﴾ أي سابقون إليها تقول : سبقت لكذا وسبقت إلى كذا، ومفعول ﴿سَـابِقُونَ﴾ محذوف أي سابقون الناس، وتكون الجملة تأكيداً للتي قبلها مفيدة تجدد الفعل بقوله ﴿يُسَـارِعُونَ﴾ وثبوته بقوله ﴿سَـابِقُونَ﴾ وقيل اللام للتعليل أي لأجلها سابقون الناس إلى رضا الله. وقال الزمخشري ﴿لَهَا سَـابِقُونَ﴾ أي فاعلون السبق لأجلها، أو سابقون الناس لأجلها انتهى. وهذان القولان عندي واحد. قال أيضاً أو إياها سابقون أي ينالوها قبل الآخرة حيث عجلت لهم في الدنيا انتهى. ولا يدل لفظ ﴿لَهَا سَـابِقُونَ﴾ على هذا التفسير لأن سبق الشيء الشيء يدل على تقدم السابق على المسبوق، فكيف يقال لهم وهم يسبقون الخيرات هذا لا يصح. وقال أيضاً : ويجوز أن كون ﴿لَهَا سَـابِقُونَ﴾ خبراً بعد خبر ومعنى وهم لها كمعنى قوله أنت لها انتهى. وهذا مروي عن ابن عباس. قال : المعنى سبقت لهم السعادة في الأزل فهم لها، ورجحه الطبري بأن اللام متمكنة في المعنى انتهى. والظاهر القول الأول وباقيها متعسف وتحميل للفظ غير ظاهره. وقيل : الضمير في ﴿لَهَا﴾ عائد على لجنة. وقيل : على الأمم.
﴿وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ﴾ تقدم الكلام على نظير هذه الجملة في آخر البقرة ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ﴾ أي كتاب فيه إحصاء أعمال الخلق يشير إلى الصحف الت يقرؤون فيها ما ثبت لهم في اللوح المحفوظ. وقيل : القرآن.
﴿بَلْ قُلُوبُهُمْ﴾ أي قلوب الكفار في ضلال قد غمرها كما يغمر الماء ﴿مِّنْ هَـاذَا﴾ أي من هذا العمل الذي وصف به المؤمنون أو من الكتاب الذي لدينا أو من القرآن، والمعنى من اطراح هذا وتركه أو يشير إلى الذين بجملته أو إلى محمد صلى الله عليه وسلّم أقوال خمسة ﴿وَلَهُمْ أَعْمَـالٌ﴾ من دون ذلك"
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
أي من دون الغمرة والضلال المحيط بهم، فالمعنى أنهم ضالون معرضون عن الحق، وهم مع ذلك لهم سعايات فساد وصفهم تعالى بحالتي شر قال هذا المعنى قتادة وأبو العالية، وعلى هذا التأويل الإخبار عما سلف من أعمالهم وعماهم فيه. وقيل : الإشارة بذلك إلى قوله ﴿مِّنْ هَـاذَا﴾ وكأنه قال لهم أعمال من دون الحق، أو
٤١١


الصفحة التالية
Icon