قال الزمخشري :﴿إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوال محمد ﴿الْبَصِيرُ﴾ بأفعاله العالم بتهذيبها وخلوصها فيكرمه ويقربه على حسب ذلك. وقال ابن عطية : وعيد من الله للكفار على تكذيبهم محمداً صلى الله عليه وسلّم في أمر الإسراء، فهي إشارة لطيفة بليغة إلى ذلك أي هو السميع لما تقولون البصير بأفعالكم انتهى.
ولما ذكر تشريف الرسول صلى الله عليه وسلّم بالإسراء وإراءته الآيات ذكر تشريف موسى بايتائه التوراة ﴿وَءَاتَيْنَا﴾ معطوف على الجملة السابقة من
تنزيه الله تعالى وبراءته من السوء، ولا يلزم من عطف الجمل المشاركة في الخبر أو غيره. وقال ابن عطية : عطف قوله وآتينا على ما في قوله أسرى بعبده من تقدير الخبر كأنه قال : أسرينا بعبدنا وأريناه آياتنا وآتينا. وقال العكبري وآتينا معطوف على أسرى انتهى. وفيه بعد و﴿الْكِتَـابِ﴾ هنا التوراة، والظاهر عود الضمير من وجعلناه على الكتاب، ويحتمل أن يعود على موسى، ويجوز أن تكون أن تفسيرية ولا نهي وأن تكون مصدرية تعليلاً أي لأن لا يتخذوا ولا نفي، ولا يجوز أن تكون أن زائدة ويكون لا تتخذوا معمولاً لقول محذوف خلافاً لمجوز ذلك إذ ليس من مواضع زيادة أن.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢
وقرأ ابن عباس ومجاهد وقتادة وعيسى وأبو رجاء وأبو عمرو من السبعة : يتخذوا بالياء على الغيبة وباقي السبعة بتاء الخطاب، والوكيل فعيل من التوكل أي متوكلاً عليه. وقال الزمخشري رباً تكلون إليه أموركم. وقال ابن جرير : حفيظاً لكم سواي. وقال أبو الفرج بن الجوزي : قيل للرب وكيل لكفايته وقيامه بشؤون عباده، لا على معنى ارتفاع منزلة الموكل وانحطاط أمر الوكيل انتهى. وانتصب ﴿ذُرِّيَّةِ﴾ على النداء أي يا ذرّية أو على البدل من وكيلاً، أو على المفعول الثاني ليتخذوا ووكيلاً وفي معنى الجمع أي لا يتخذوا وكلاء ذرية، أو على إضمار أعني. وقرأت فرقة ذرية بالرفع وخرج على أن يكون بدلاً من الضمير في يتخذوا على قراءة من قرأ بياء الغيبة. وقال ابن عطية : ولا يجوز في القراءة بالتاء لأنك لا تبدل من ضمير مخاطب لو قلت ضربتك زيداً على البدل لم يجز انتهى. وما ذكره من إطلاق إنك لا تبدل من ضمير مخاطب يحتاج إلى تفصيل، وذلك أنه إن كان في بدل بعض من كل وبدل اشتمال جاز بلا خلاف، وإن كان في بدل شيء من شيء وهما لعين واحدة وإن كان يفيد التوكيد جاز بلا خلاف، نحو : مررت بكم صغيركم وكبيركم وإن لم يفد التوكيد، فمذهب جمهور البصريين المنع ومذهب الأخفش والكوفيين الجواز وهو الصحيح لوجود ذلك في كلام العرب، وقد استدللنا على صحة ذلك في شرح كتاب التسهيل، وذكر من حملنا مع نوح تنبيهاً على النعمة التي نجاهم بها من الغرق. وقرأ زيد بن ثابت وأبان بن عثمان وزيد بن عليّ ومجاهد في رواية بكسر ذال ذرية. وقرأ مجاهد أيضاً بفتحها. وعن زيد بن ثابت ذرية بفتح الذال وتخفيف الراء وتشديد الياء على وزن فعليه كمطيه. والظاهر أن الضمير في أنه عائد على نوح. قال سلمان الفارسي : كان يحمد الله على طعامه. وقال إبراهيم شكره إذا أكلَّ قال : بسم الله، فإذا فرغ قال : الحمد لله. وقال قتادة : كان إذا لبس ثوباً قال : بسم الله، وإذا نزعه قال : الحمد لله. وقيل : الضمير في أنه عائد إلى موسى انتهى. ونبه على الشكر لأنه يستلزم التوحيد إذ النعم التي يجب الشكر عليها هي من عنده تعالى، فكأنه قيل كونوا موحدين شاكرين لنعم الله مقتدين بنوح الذي أنتم ذرية من حمل معه.
﴿وَقَضَيْنَآ إِلَى بَنِى إسرائيل فِى الْكِتَـابِ لَتُفْسِدُنَّ فِى الارْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولَـاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَآ أُوْلِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَـالَ الدِّيَارِا وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَـاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَـاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لانفُسِكُم وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الاخِرَةِ لِيَسُـا ُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُم وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـافِرِينَ حَصِيرًا﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢