﴿وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالابْصَـارَ وَالافْـاِدَةَا قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ * وَهُوَ الَّذِى ذَرَأَكُمْ فِى الارْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَهُوَ الَّذِى يُحْىِا وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَـافُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِا أَفَلا تَعْقِلُونَ * بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الاوَّلُونَ * قَالُوا أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَـامًا أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَءَابَآؤُنَا هذا مِن قَبْلُ إِنْ هَـاذَآ إِلا أَسَـاطِيرُ الاوَّلِينَ * قُل لِّمَنِ الارْضُ وَمَن فِيهَآ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِا قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَـاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِا قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنا بِيَدِهِا مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِا قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْنَـاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَـاذِبُونَ * مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَه مِنْ إِلَـاهٍا إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـاها بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍا سُبْحَـانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَـالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَـادَةِ فَتَعَـالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.
مناسبة ﴿وَهُوَ الَّذِى أَنشَأَ لَكُمُ﴾ لما قبله أنه لما بيَّن إعراض الكفار عن سماع الأدلة ورؤية العبر والتأمل في الحقائق خاطب قيل المؤمنين، والظاهر العالم بأسرهم تنبيهاً على أن من لم يعمل هذه الأعضاء في ما خلقه الله تعالى وتدبر ما أودعه فيها
٤١٧
من الدلائل على وحدانيته وباهر قدرته فهو كعادم هذه الأعضاء، وممن قال تعالى فيهم ﴿فَمَآ أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَـارُهُمْ وَلا أَفْـاِدَتُهُم مِّن شَىْءٍ﴾ فمن أنشأ هذه الحواس وأنشئت هي له وأحيا وأمات وتصرف في اختلاف الليل والنهار هو قادر على البعث. وخص هذه الأعضاء بالذكر لأنه يتعلق بها منافع الدين والدنيا من أعمال السمع والبصر في آيات الله والاستدلال بفكر القلب على وحدانية الله وصفاته، ولما كان خلقها من أتم النعم على العبد قال ﴿قَلِيلا مَّا تَشْكُرُونَ﴾ أي تشكرون قليلاً و﴿مَا﴾ زائدة للتأكيد. ومن شكر النعمة الإقرار بالمنعم بها ونفي الند والشريك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٦
و﴿ذَرَأَكُمْ﴾ خلقكم وبثكم فيها. ﴿وَإِلَيْهِ﴾ أي وإلى حكمه وقضائه وجزائه ﴿تُحْشَرُونَ﴾ يريد البعث والجمع في الآخرة بعد التفرق في الدنيا والاضمحلال. ﴿وَلَهُ اخْتِلَـافُ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ أي. هو مختص به ومتوليه وله القدرة التي ذلك الاختلاف عنها. والاختلاف هنا التعاقب أي يخلف هذا هذا. ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ من هذه تصرفات قدرته وآثار قهره فتوحدونه وتنفون عنه الشركاء والأنداد، إذ هم ليسوا بقادرين على شيء من ذلك. وقرأ أبو عمرو في رواية : يعقلون بياء الغيبة على الالتفات.
﴿بَلْ قَالُوا ﴾ ﴿بَلِ﴾ إضراب أي ليس لهم عقل ولا نظر في هذه الآيات ﴿بَلْ قَالُوا ﴾ والضمير لأهل مكة ومن جرى مجراهم في إنكار البعث مثل ما قال آباؤهم عاد وثمود ومن يرجعون إليهم من الكفار. ولما اتخذوا من دون الله تعالى آلهة ونسبوا إليه الولد نبههم على فرط جهلهم بكونهم يقرون بأنه تعالى له الأرض ومن فيها ملك وأنه رب العالم العلوي وأنه مالك كل شيء وهم مع ذلك ينسبون له الولد ويتخذون له شركاء.


الصفحة التالية
Icon