﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَـاهَا وَفَرَضْنَـاهَا﴾ بينات أمثالاً ومواعظ وأحكاماً ليس فيها مشكل يحتاج إلى تأويل. وقرأ الجمهور ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى﴾ بالرفع، وعبد الله والزان بغير ياء، ومذهب سيبويه أنه مبتدأ والخبر محذوف أي فيما يتلى عليكم حكم ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى﴾ وقوله ﴿فَاجْلِدُوا ﴾ بيان لذلك الحكم، وذهب الفراء والمبرد والزجاج إلى أن الخبر ﴿فَاجْلِدُوا ﴾ وجوزه الزمخشري، وسبب الخلاف هو أنه عند سيبويه لا بد أن يكون المبتدأ الداخل الفاء في خبره موصولاً بما يقبل أداة الشرط لفظاً أو تقديراً، واسم الفاعل واسم المفعول لا يجوز أن يدخل عليه أداة الشرط وغير سيبويه ممن ذكرنا لم يشرط ذلك، وتقرير المذهبين والترجيح مذكور في النحو. وقرأ عيسى الثقفي ويحيى بن يعمر وعمرو بن فأئد وأبو جعفر وشيبة وأبو السمال ورويس ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى﴾ بنصبهما على الاشتغال، أي واجلدوا ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى﴾ كقولك زيداً فضربه، ولدخول الفاء تقرير ذكر في علم النحو والنصب هنا أحسن منه في ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَـاهَا﴾ لأجل الأمر، وتضمنت السورة أحكاماً كثيرة فيما يتعلق بالزنا ونكاح الزواني وقذف المحصنات والتلاعن والحجاب وغير ذلك. فبدى بالزناء لقبحه وما يحدث عنه من المفاسد والعار. وكان قد نشأ في العرب وصار من إمائهم أصحاب رايات وقدّمت الزانية على الزاني لأن داعيتها أقوى لقوة شهوتها ونقصان عقلها، ولأن زناها أفحش وأكثر عاراً وللعلوق بولد الزنا وحال النساء الحجبة والصيانة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٥
وقال الزمخشري : فإن قلت : قدّمت الزانية على الزاني أولاً ثم قدم عليها ثانياً ؟ قلت : سبقت تلك الآية لعقوبتهما على ما جنيا
٤٢٧
والمرأة على المادة التي منها نشأت الجناية، فإنها لو لم تطمع الرجل ولم تربض له ولم تمكنه لم يطمع ولم يتمكن، فلما كانت أصلاً وأولاً في ذلك بدىء بذكرها، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه هو الراغب والخاطب ومنه يبدأ الطلب انتهى. ولا يتم هذا الجواب في الثانية إلاّ إذا حمل النكاح على العقد لا على الوطء. وأل في ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى﴾ للعموم في جميع الزناة.


الصفحة التالية
Icon