وقال الحسن : المراد الزاني المحدود، والزانية المحدودة قال : وهذا حكم من الله فلا يجوز لزان محدود أن يتزوج إلاّ زانية. وقد روي أن محدوداً تزوج غير محدودة فردّ عليّ بن أبي طالب نكاحها. ﴿وَحُرِّمَ ذَالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ يريد الزنا. وروى الزهراني في هذا حديثاً من طريق أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال :"لا ينكح الزاني المحدود إلاّ مثله". قال ابن عطية : وهذا حديث لا يصح، وقول فيه نظر، وإدخال المشرك في الآية يرده وألفاظ الآية تأباه وإن قدرت المشركة بمعنى الكتابية فلا حيلة في لفظ المشرك انتهى. وقال ابن المسيب : هذا حكم كان في الزناة عام أن لا يتزوج زان إلاّ زانية، ثم جاءت الرخصة ونسخ ذلك بقوله ﴿كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ﴾ وقوله ﴿فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَآءِ﴾ وروي ترتيب هذا النسخ عن مجاهد إلاّ أنه قال : حرم نكاح أولئك البغايا النفر. قال ابن عطية : وذكر الإشراك في الآية يضعف هذه المناحي انتهى.
وعن الجبائي إنها منسوخة بالإجماع، وضعف بأنه ثبت في أصول الفقه أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به، وتلخص من هذه الأقوال أن النكاح إن أريد به الوطء فالآية وردت مبالغة في تشنيع الزنا، وإن أريد به التزويج فإما أن يراد به عموم في الزناة ثم نسخ، أو عموم في الفساق الخبيثين لا يرغبون إلاّ فيمن هو شكل لهم، والفواسق الخبائث لا يرغبن إلاّ فيمن هو شكل لهن، ولا يجوز التزويج على ما قرره الزمخشري، أو يراد به خصوص في قوم كانوا في الجاهلية زناة ببغايا فأرادوا تزويجهن لفقرهم وإيسارهن مع بقائهن على البغاء فلا يتزوج عفيفة، ولو زنا رجل بامرأة ثم أراد تزويجها فأجاز ذلك أبو بكر الصديق وابن عمر وابن عباس وجابر وطاوس وابن المسيب وجابر بن زيد وعطاء والحسن وعكرمة ومالك والثوري والشافعي، ومنعه ابن مسعود والبراء ابن عازب وعائشة وقالا : لا يزالان زانيين ما اجتمعا، ومن غريب النقل أنه لو تزوج معروف بالزنا أو بغيره من الفسوق ثبت الخيار في البقاء معه أو فراقه وهو عيب من العيوب التي يترتب الخيار عليها، وذهب قوم إلى أن الآية محكمة، وعندهم أن من زنى من الزوجين فسد النكاح بينهما وقال قوم منهم لا ينفسخ ويؤمر بطلاقها إذا زنت فإن امسكها أثم قالوا لا تجوز التزويج بالزانية ولا من الزاني فإن ظهرت التوبة جاز.
وقال الزمخشري : فإن قلت : أي فرق بين معنى الجملة الأولى ومعنى الثانية ؟
٤٣٠
قلت : معنى الأولى صفة الزاني بكونه غير راغب في العفائف ولكن في الفواجر، ومعنى الثانية صفتها بكونها غير مرغوب فيها للأعّفاء ولكن للزناة، وهما معنيان مختلفان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٥
وعن عمرو بن عبيد ﴿لا يَنكِحُ﴾ بالجزم على النهي والمرفوع فيه معنى النهي ولكن هو أبلغ وآكد كما أن رحمك الله ويرحمك الله أبلغ من ليرحمك، ويجوز أن يكون خبراً محضاً على معنى إن عادتهم جارية على ذلك، وعلى المؤمن أن لا يدخل نفسه تحت هذه العادة ويتصون عنها انتهى. وقرأ أبو البرهثيم ﴿وَحَرَّمَ﴾ مبنياً للفاعل أي الله، وزيد بن عليّ ﴿وَحَرَّمَ﴾ بضم الراء وفتح الحاء والجمهور ﴿وَحَرَّمَ﴾ مشدداً مبنياً للمفعول.
والقذف الرمي بالزنا وغيره، والمراد به هنا الزنا لاعتقابه إياه ولاشتراط أربعة شهداء وهو مما يخص القذف بالزنا إذ في غيره يكفي شاهدان. قال ابن جبير : ونزلت بسبب قصة الإفك. وقيل : بسبب القذفة عاماً، واستعير الرمي للشتم لأنه إذاية بالقول. كما قال :
وجرح اللسان كجرح اليد
وقال :
رماني بأمر كنت منه ووالديبريئاً ومن أجل الطويّ رماني


الصفحة التالية
Icon