وقرأ الجمهور ﴿وَالْخَـامِسَةَ﴾ بالرفع فيهما. وقرأ طلحة والسلمي والحسن والأعمش وخالد بن أياس ويقال ابن إلياس بالنصب فيهما. وقرأ حفص والزعفراني بنصب الثانية دون الأولى، فالرفع على الابتداء وما بعده الخبر، ومن نصب الأولى فعطف على ﴿أَرْبَعُ﴾ في قراءة من نصب ﴿أَرْبَعُ﴾، وعلى إضمار فعل يدل عليه المعنى في قراءة من رفع ﴿أَرْبَعُ﴾ أي وتشهد ومن نصب الثانية فعطف على ﴿أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ﴾ وعلى قراءة النصب في يكون ﴿حَمِيمٍ ءَانٍ﴾ بعده على إسقاط حرف الجر، أي بأن، وجوّز أن يكون ﴿ءَانٍ﴾ وما بعده بدلاً من. وقرأ نافع ﴿بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ﴾ بتخفيف ﴿ءَانٍ﴾ ورفع ﴿لَّعْنَةُ﴾ و﴿أَنَّ غَضَبَ﴾ بتخفيف ﴿ءَانٍ﴾ و﴿غَضَبَ﴾ فعل ماض والجلالة بعد مرفوعة، وهي ان المخففة من الثقيلة لما خففت حذف اسمها وهو ضمير الشأن. وقرأ أبو رجاء وقتادة وعيسى وسلام وعمرو بن ميمون والأعرج ويعقوب بخلاف عنهما، والحسن ﴿أَن لَّعْنَةُ﴾ كقراءة نافع، و﴿أَنَّ غَضَبَ﴾ بتخفيف ﴿ءَانٍ﴾ و﴿غَضَبَ﴾ مصدر مرفوع وخبر ما وبعده وهي أن المخففة من الثقيلة. وقرأ باقي السبعة ﴿أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ﴾ و﴿أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ﴾ بتشديد ﴿ءَانٍ﴾ ونصب ما بعدهما اسماً لها وخبر ما بعد. قال ابن عطية : و﴿ءَانٍ﴾ الخفيفة على قراءة نافع في قوله ﴿أَنَّ غَضَبَ﴾ قد وليها الفعل.
قال أبو علي : وأهل العربية يستقبحون أن يليها الفعل إلاّ أن يفصل بينها وبينه بشيء نحو قوله ﴿عَلِمَ أَن سَيَكُونُ﴾ وقوله ﴿أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِى﴾ وأما قوله تعالى ﴿وَأَن لَّيْسَ لِلانسَـانِ إِلا مَا سَعَى ﴾ فذلك لعلة تمكن ليس في الأفعال. وأما قوله ﴿أَنا بُورِكَ مَن فِى النَّارِ﴾ فبورك على معنى الدعاء فلم يجر دخول الفواصل لئلا يفسد المعنى انتهى. ولا فرق بين ﴿أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ﴾ و﴿أَنا بُورِكَ﴾ في كون الفعل بعد أن دعاء، ولم يبين ذلك ابن عطية ولا الفارسي، ويكون غضب دعاء مثل النحاة أنه إذا كان الفعل دعاء لا يفصل بينه وبين أن بشيء، وأورد ابن عطية ﴿أَنَّ غَضَبَ﴾ في قراءة نافع مورد المستغرب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٥
﴿وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذَابَ﴾ أي يدفع و﴿الْعَذَابِ﴾ قال الجمهور الحد. وقال أصحاب الرأي لا حد عليها إن لم يلاعن ولا يوجبه عليها قول الزوج. وحكى الطبري عن آخرين أن ﴿الْعَذَابِ﴾ هو الحبس، والظاهر الاكتفاء في اللعان بهذه الكيفية المذكورة في الآية وبه قال الليث، ومكان ضمير الغائب ضمير المتكلم في شهادته مطلقاً وفي شهادتها في قوله عليها تقول عليّ. فقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد وأبو يوسف : يقول بعد ﴿مِنَ الصَّـادِقِينَ﴾
٤٣٤
فيما رماها به من الزنا وكذا بعد من الكاذبين، وكذا هي بعد من الكاذبين و﴿مِنَ الصَّـادِقِينَ﴾ فإن كان هناك ولد ينفيه زاد بعد قوله فيما رماها به من الزنا في نفي الولد. وقال مالك : يقول أشهد بالله أني رأيتها تزني وهي أشهد بالله ما رآني أزني، والخامسة تقول ذلك أربعاً ولفظ الآية.
وقال الشافعي : يقول أشهد بالله أني لصادق فيما رميت به زوجتي فلانة بنت فلان، ويشير إليها إن كان حاضرة أربع مرات، ثم يقعد الإمام ويذكره الله تعالى فإن رآه يريد أن يمضي أمر من يضع يده على فيه ويقول : إن قولك وعليّ لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنا، فإن قذفها بأحد يسميه بعينه واحد أو اثنين في كل شهادة، وإن نفي ولدها زاد وأن هذا الولد ما هو مني، والظاهر أنه إذا طلقها بائناً فقذفها وولدت قبل انقضاء العدة فنفي الولد أنه يحد ويلحقه الولد لأنه لا ينطلق عليها زوجة إلاّ مجازاً. وعن ابن عباس : إذا طلقها تطليقة أو تطليقتين ثم قذفها حدّ. وعن ابن عمر : يلاعن. وعن الليث والشافعي : إذا أنكر حملها بعد البينونة لاعن. وعن مالك : إن أنكره بعد الثلاث لاعنها. ولو قذفها ثم بانت منه بطلاق أو غيره فقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه : لا حد ولا لعان. وقال الأوزاعي والليث والشافعي : يلاعن وهذا هو الظاهر لأنها كانت زوجته حالة القذف، والظاهر من قوله ﴿أَنفُسُهُمْ فَشَهَـادَةُ أَحَدِهِمْ﴾ أنه يلزم ذلك فإن نكل حبس حتى يلاعن وكذلك هي، وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه.
وقال مالك والحسن بن صالح والليث والشافعي : أيهما نكل حدّ هو للقذف وهي للزنا. وعن الحسن : إذا لاعن وأبت حبست. وعن مكحول والضحاك والشعبي : ترجم ومشروعية اللعان دليل على أن الزنا والقذف ليسا بكفر من فاعلهما خلافاً للخوارج في قولهم : إن ذلك كفر من الكاذب منهما لاستحقاق اللعن من الله والغضب. قال الزمخشري : فإن قلت : لم خصت الملاعنة بأن تخمس بغضب الله ؟ قلت : تغليظاً عليها لأنها هي أصل الفجور ومتبعة بإطماعها، ولذلك كانت مقدّمة في آية الجلد ويشهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلّم الخويلة :"والرجم أهون عليك من غضب الله".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٥


الصفحة التالية
Icon