جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣٥
﴿عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا ﴾ أي في أن تعودوا، تقول : وعظت فلاناً في كذا فتركه. ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ حث لهم على الاتعاظ وتهييج لأن من شأن المؤمن الاحتزاز مما يشينه من القبائح. وقيل :
٤٣٨
﴿أَن تَعُودُوا ﴾ مفعول من أجله أي كراهة ﴿أَن تَعُودُوا ﴾. ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الايَـاتِ﴾ أي الدلالات على علمه وحكمته بما ينزل عليكم من الشرائع ويعلمكم من الآداب، ويعظكم من المواعظ الشافية. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَـاحِشَةُ﴾. قال مجاهد وابن زيد الإشارة إلى عبد الله بن أبي ومن أشبهه. ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ﴾ لعداوتهم لهم، والعذاب الأليم في الدنيا الحد، وفي الآخرة النار. والظاهر في ﴿الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَـاحِشَةُ﴾ العموم في كل قاذف منافقاً كان أو مؤمناً، وتعليق الوعيد على محبة الشياع دليل على أن إرادة الفسق فسق والله يعلم أي البريء من المذنب وسرائر الأمور، ووجه الحكمة في ستركم والتغليظ في الوعيد.
وقال الحسن : عنى بهذا الوعيد واللعن المنافقين، وأنهم قصدوا وأحبوا إذاية الرسول صلى الله عليه وسلّم وذلك كفر وملعون فاعله. وقال أبو مسلم : هم المنافقون أوعدهم الله بالعذاب في الدنيا على يد الرسول بالمجاهدة كقوله ﴿جَـاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَـافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾. وقال الكرماني : والله يعلم كذبهم ﴿وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ لأنه غيب. وجواب ﴿لَّوْلا﴾ محذوف أي لعاقبكم. ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ بالتبرئة ﴿لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ بقبول
٤٣٩
توبة من تاب ممن قذف. قال ابن عباس : الخطاب لحسان ومسطح وحمنة والظاهر العموم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٣٥
تقدم الكلام على ﴿خُطُوَاتِ الشَّيْطَـانِ﴾ تفسيراً وقراءة في البقرة. والضمير في ﴿فَإِنَّهُا﴾ عائد على ﴿مِنْ﴾ الشرطية، أي فإن متبع خطوات الشيطان ﴿يَأْمُرُ بِالْفَحْشَآءِ﴾ وهو ما أفرط قبحه ﴿وَالْمُنْكَرِ﴾ وهو ما تنكره العقول السليمة أي يصير رأساً في الضلال بحيث يكون آمراً يطيعه أصحابه.
﴿وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ بالتوبة الممحصة ما طهر أحد منكم. وقرأ الجمهور ﴿مَا زَكَى ﴾ بتخفيف الكاف، وأمال حمزة والكسائي وأبو حيوة والحسن والأعمش وأبو جعفر في رواية وروح بتشديدها، وأماله الأعمش وكبت ﴿زَكَى ﴾ المخفف بالياء وهو من ذوات الواو على سبيل الشذوذ لأنه قد يمال، أو على قراءة من شد الكاف. ﴿وَلَـاكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّى مَن يَشَآءُ﴾ ممن سبقت له السعادة، وكان علمه الصالح أمارة على سبقها أو من يشاء بقبول التوبة النصوح ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ لأقوالهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بضمائرهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٤٠
﴿وَلا يَأْتَلِ﴾ هو مضارع ائتلى افتعل من الألية وهي الحلف. وقيل : معناه يقصر من افتعل ألوت قصرت ومنه ﴿لا يَأْلُونَكُمْ﴾. وقول الشاعر :
وما المرء ما دامت حشاشة نفسهبمدرك أطراف الخطوب ولا آل وهذا قول أبي عبيدة، واختاره أبو مسلم. وسبب نزولها المشهور أنه حلف أبي بكر على مسطح أن لا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة. وقال ابن عياش والضحاك : قطع جماعة من المؤمنين منافعهم عمن قال في الإفك، وقالوا : لا نصل من تكلم فيه فنزلت في جميعهم. والآية تتناول من هو بهذا الوصف. وقرأ الجمهور ﴿يَأْتَلِ﴾. وقرأ عبد الله بن عياش بن ربيعة وأبو جعفر مولاه وزيد بن أسلم والحسن يتأل مضارع تألى بمعنى حلف. قال الشاعر :
تألى ابن أوس حلفة ليردّني
إلى نسوة كأنهن معائد
والفضل والسعة يعني المال، وكان مسطح ابن خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان من المهاجرين وممن شهد بدراً، وكان ما نسب إليه داعياً أبا بكر أن لا يحسن إليه، فأمر هو ومن جرى مجراه بالعفو والصفح، وحين سمع أبو بكر ﴿أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ ؟ قال : بلى، أحب أن يغفر الله لي ورد إلى مسطح نفقته وقال : والله لا أنزعها أبداً. وقرأ أبو حيوة وابن قطيب وأبو البرهثيم أن تؤتوا بالتاء على الالتفات، ويناسبه ﴿أَلا تُحِبُّونَ﴾ و﴿أَن يُؤْتُوا ﴾ نصب الفعل المنهي فإن كان بمعنى الحلف فيكون التقدير كراهة ﴿أَن يُؤْتُوا ﴾ وأن لا يؤتوا فحذف لا، وإن كان بمعنى يقصر فيكون التقدير في أن يؤتوا أو عن أن يؤتوا. وقرأ عبد الله والحسن وسفيان بن الحسين وأسماء بنت يزيد ولتعفوا ولتصفحوا بالتاء أمر خطاب للحاضرين.


الصفحة التالية
Icon