وقرأ عليّ وابن أبي إسحاق والحسن ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ﴾ بالرفع والجمهور بالنصب. قال الزمخشري : والنصب أقوى لأن أولى الاسمين بكونه اسماً لكان أو غلهما في التعريف و﴿أَن يَقُولُوا ﴾ أو غل لأنه لا سبيل عليه للتنكير بخلاف قول المؤمنين. وكان هذا من قبيل كان في قوله ﴿مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ﴾ ﴿مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـاذَا﴾ انتهى. ونص سيبويه على أن اسم كان وخبرها إذا كانتا معرفتين فأنت بالخيار في جعل ما شئت منهما الاسم والآخر الخبر من غير اعتبار شرط في ذلك ولا اختيار.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٦
وقرأ أبو جعفر والجحدري وخالد بن الياس ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ مبنياً للمفعول، والمفعول الذي لم يسم فاعله هو ضمير المصدر أي ﴿لِيَحْكُمَ﴾ هو أي الحكم، والمعنى ليفعل الحكم ﴿بَيْنِهِمْ﴾ ومثله قولهم : جمع بينهما وألف بينهما وقوله تعالى ﴿وَحِيلَ بَيْنَهُمْ﴾. قال الزمخشري : ومثله ﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ فيمن قرأ ﴿بَيْنِكُمْ﴾ منصوباً أي وقع التقطع بينكم انتهى. ولا يتعين ما قاله في الآية إذ يجوز أن يكون الفاعل ضميراً يعود على شيء قبله وتقدم الكلام في ذلك في موضعه.
﴿أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا﴾ أي قول الرسول ﴿وَأَطَعْنَا﴾ أي أمره. وقرىء ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ بالإشباع والاختلاس والإسكان. وقرىء ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ بسكون القاف وكسر الهاء من غير إشباع أجرى خبر كان المنفصل مجرى المتصل، فكما يسكن علم فيقال علم كذلك سكن ويتقه لأنه تقه كعلم وكما قال السالم :
قالت سليمى اشتر لنا سويقاً
يريد اشتر لنا ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ﴾ في فرائضه ﴿وَرَسُولُهُا﴾ في سننه و﴿يَخْشَى اللَّهَ﴾ على ما مضى من ذنوبه ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ فيما يستقبل. وعن بعض الملوك أنه سأل عن آية كافية فتليت له هذه. ولما بلغ المنافقين ما أنزل تعالى فيهم أتوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلّم وأقسموا إلى آخره أي ﴿لَيُخْرِجَنَّ﴾ عن ديارهم وأموالهم ونسائهم و﴿لَـاِنْ أَمَرْتَهُمْ﴾ بالجهاد ﴿لَيُخْرِجَنَّ﴾ إليه وتقدم الكلام في ﴿جَهْدَ أَيْمَـانِهِمْ﴾ في الأنعام. ونهاهم تعالى عن قسمهم لعلمه تعالى أنه ليس حقاً. ﴿طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ﴾ أي معلومة لا شك فيها ولا يرتاب، كطاعة الخلص من المؤمنين المطابق باطنهم لظاهرههم، لا أيمان تقسموا بها بأفواهكم وقلوبكم على خلافها، أو طاعتكم طاعة معروفة بالقول دون الفعل، أو طاعة معروفة أمثل وأولى بكم من هذه الأيمان الكاذبة قاله الزمخشري. وقال ابن عطية : يحتمل معاني.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٦
أحدها : النهي عن القسم الكاذب إذ قد عرف أن طاعتهم دغلة رديئة فكأنه يقول : لا تغالطوا فقد عرف ما أنتم عليه.
والثاني : لا تتكلفوا القسم طاعة معروفة متوسطة على قدر الاستطاعة أمثل وأجدى عليكم، وفي هذا الوجه إبقاء عليهم.
والثالث : لا تقنعوا بالقسم طاعة تعرف منكم وتظهر عليكم هو المطلوب منكم.
والرابع : لا تقنعوا لأنفسكم بإرضائنا بالقسمة طاعة الله معروفة وجهاد عدوه مهيع لائح انتهى.
و ﴿طَاعَةٌ﴾ مبتدأ و﴿مَّعْرُوفَةٌ﴾ صفة والخبر محذوف، أي أمثل وأولى أو خبر مبتدأ محذوف أي أمرنا أو المطلوب ﴿طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ﴾. وقال أبو البقاء : ولو قرىء بالنصب لكان جائزاً في العربية وذلك على المصدر أي أطيعوا طاعة انتهى. وقدراه بالنصب زيد بن عليّ واليزيدي وتقدير بعضهم الرفع على إضمار ولتكن ﴿طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ﴾ ضعيف لأنه لا يحذف الفعل ويبقى الفاعل، إلاّ إذا كان ثم مشعر به نحو ﴿رِجَالٌ﴾ بعد ﴿يُسَبِّحُ﴾ مبنياً للمفعول أي يسبحه رجال، أو يجاب به نفي نحو : بلى زيد لمن قال : ما جاء أحد. أو استفهام نحو قوله :
ألا هل أتى أم الحويرث مرسلبلى خالد إن لم تعقه العوائق
أي أتاها خالد. ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُا بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ أي مطلع على سرائركم ففاضحكم. والتفت من الغيبة إلى الخطاب لأنه أبلغ في تبكيتهم.
ولما بكتهم بأن مطلع على سرائرهم تلطف بهم فأمرهم بطاعة الله والرسول وهو أمر عام للمنافقين وغيرهم. ﴿فَإِن تَوَلَّوْا ﴾ أي فإن تتولوا. ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْهِ﴾ أي على الرسول ﴿مَا حُمِّلَ﴾ وهو التبليغ
٤٦٨
ومكافحة الناس بالرسالة وإعمال الجهد في إنذارهم. ﴿وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ﴾ وهو السمع والطاعة واتّباع الحق. ثم علق هدايتهم على طاعته فلا يقع إلا بطاعته ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلَـاغُ الْمُبِينُ﴾ تقدم الكلام على مثل هذه الجملة في المائدة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٦٦


الصفحة التالية
Icon