وقال عكرمة في قوم من الأنصار : إذا نزل بهم ضيف لا يأكلون لاّ معه. وقيل في قوم : تحرجوا أن يأكلوا جميعاً مخافة أن يزيد أحدهم على الآخرة في الأكل. وقيل ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ هو إذا دعاك إلى وليمة فحسب. وقيل : هذه الآية منسوخة بقوله عليه السلام "ألا إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" وبقوله عليه السلام من حديث ابن عمر :"لا يحلبن أحد ماشية أحد إلاّ بإذنه" وبقوله تعالى ﴿لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا ﴾.
﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾. قال ابن عباس والنخعي : المساجد فسلموا على من فيها فإن لم يكن فيها أحد قال السلام على رسول الله. وقيل : يقول السلام عليكم يعني الملائكة، ثم يقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وقال جابر وابن عباس وعطاء : البيوت المسكونة وقالوا يدخل فيها غير المسكونة، فيقول : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وقال ابن عمر : بيوتاً خالية. وقال السدّي ﴿عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾ على أهل دينكم. وقال قتادة : على أهاليكم في بيوت أنفسكم. وقيل : بيوت الكفار ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾ وقال الزمخشري ﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا﴾
٤٧٤
من هذه البيوت لتأكلوا، فابدؤوا بالسلام على أهلها الذين هم فيها منكم ديناً وقرابة. و﴿تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ﴾ أي ثابتة بأمره مشروعة من لدنه، أو لأن التسليم والتحية طلب للسلامة وحياة للمسلم عليه ووصفها بالبركة والطيب لأنها دعوة مؤمن لمؤمن يرجى بها من الله زيادة وطيب الرزق انتهى. وقال مقاتل : مباركة بالأجر. وقيل : بورك فيها بالثواب. وقال الضحاك : في السلام عشر حسنات، ومع الرحمة عشرون، ومع البركات ثلاثون. وانتصب ﴿تَحِيَّةً﴾ بقوله ﴿فَسَلِّمُوا ﴾ لأن معناه فيحوا كقولك : قعدت جلوساً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧١
لما افتتح السورة بقوله ﴿سُورَةٌ أَنزَلْنَـاهَا﴾ وذكر أنواعاً من الأوامر والحدود مما أنزله على الرسول عليه السلام اختتمها بما يجب له عليه السلام على أمته من التتابع والتشايع على ما فيه مصلحة الإسلام ومن طلب استئذانه إن عرض لأحد منهم عارض، ومن توقيره في دعائهم إياه. وقال الزمخشري : أراد عز وجل أن يريهم عظيم الجناية في ذهاب الذاهب عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم بغير إذنه.
﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَه عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ فجعل ترك ذهابهم ﴿حَتَّى ﴾ ثالث الإيمان بالله والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلّم، وجعلهما كالتسبيب له والنشاط لذكره. وذلك مع تصدير الجملة بإنما وارتفاع المؤمنين مبتدأ ومخبر عنه بموصول أحاطت صلته بذكر الإيمانين، ثم عقبه بما يزيده توكيداً وتسديداً بحيث أعاده على أسلوب آخر وهو قوله ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَـاْذِنُونَكَ أُوالَئاِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِا﴾ وضمنه شيئاً آخر وهو أنه جعل الاستئذان كالمصداق لصحة الإيمانين، وعرّض بحال الماضين وتسللهم لو إذاً.
ومعنى قوله ﴿لَّمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَـاْذِنُوهُ﴾ لم يذهبوا حتى
٤٧٥
يستأذنوه وبأذن لهم، ألا تراه كيف علق الأمر بعد وجود استئذانهم بمشيئته وإذنه لمن استصوب أن بأذن له، والأمر الجامع الذي يجمع له الناس، فوصف بالجمع على المجاز وذلك نحو مقابلة عدو وتشاور في أمرهم أو تضام لإرهاب مخالف، أو ما ينتج في حلف وغير ذلك. والأمر الذي يعم بضرره أو بنفعه وفي قوله ﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَه عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ أنه خطب جليل لا بد لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فيه من ذوي رأي وقوة يظاهرونه عليه ويعاونونه ويستضيء بآرائهم ومعارفهم وتجاربهم في كفاءته، فمفارقة أحدهم في مثل هذه الحالة مما يشق على قلبه ويشعث عليه رأيه. فمن ثم غلظ عليهم وضيق الأمر في الاستئذان مع العذر المبسوط ومساس الحاجة إليه واعتراض ما يهمهم ويعينهم، وذلك قوله ﴿لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾ وذكر الاستغفار للمستأذنين دليل على أن الأحسن الأفضل أن لا يحدثوا أنفسهم بالذهاب ولا يستأذنوا فيه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧٥


الصفحة التالية
Icon