وحق للحسن أن يقف على الأولين. والظهير تقييد الإملاء بوقت انتشار الناس وحين الإيواء إلى مساكنهم وهما البكرة والأصيل، أو يكونان عبارة عن الديمومة. وقرأ طلحة وعيسى فهي تتلى بالتاء بدل الميم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧٨
﴿قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِى يَعْلَمُ السِّرَّ﴾ أي كل سر خفي، ورد عليهم بهذا وهو وصفه تعالى بالعلم لأن هذا القرآن لم يكن ليصدر إلاّ من علام بكل المعلومات لما احتوى عليه من إعجاز التركيب الذي لا يمكن صدوره من أحد، ولو استعان بالعالم كلهم ولاشتماله على مصالح العالم وعلى أنواع العلوم واكتفى بعلم السر لأن ما سواه أولى أن يتعلق علمه به، أو ﴿يَعْلَمُ﴾ ما تسرون من الكيد لرسوله مع علمكم ببطل ما تقولون فهو مجازيكم ﴿إِنَّه كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ إطماع في أنهم إذا تابوا غفر لهم ما فرط من كفرهم ورخمهم. أو ﴿غَفُورًا رَّحِيمًا﴾ في كونه أمهلكم ولم يعاجلكم على ما استوجبتموه من العقاب بسبب
٤٨٢
مكابرتكم، أو لما تقدم ما يدل على العقاب أعقبه بما يدل على القدرة عليه لأن المتصف بالغفران والرحمة قادر على أن يعاقب.
﴿وَقَالُوا ﴾ الضمير لكفار قريش، وكانوا قد جمعهم والرسول مجلس مشهور ذكره ابن إسحاق في السير فقال عتبة وغيره : إن كنت تحب الرئاسة ولَّيناك علينا أو المال جمعنا لك، فلما أبي عليهم اجتمعوا عليه فقالوا : مالك وأنت رسول من الله تأكل الطعام وتقف بالأسواق لالتماس الرزق سل ربك أن ينزل معك ملكاً ينذر معك، أو يلقي إليك كنزاً تنفق منه، أو يرد لك جبال مكة ذهباً وتزال الجبال، ويكون مكانها جنات تطرد فيها المياه وأشاعوا هذه المحاجة فنزلت الآية. وكتب في المصحف لام الجر مفصولة من ﴿هَـاذَآ﴾ و﴿هَـاذَآ﴾ استفهام يصحبه استهزاء أي ﴿مَالِ هَـاذَا﴾ الذي يزعم أنه رسول أنكروا عليه ما هو عادة للرسل كما قال ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِى الاسْوَاقِ﴾ أي حاله كحالنا أي كان يجب أن يكون مستغنياً عن الأكل والتعيش، ثم قالوا : وهب أنه بشر فهلا أرفد بملك ينذر معه أو يلقى إليه كنز من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش. ثم اقتنعوا بأن يكون له بستان يأكل منه ويرتزق كالمياسير. وقرىء فتكون بالرفع حكاه أبو معاذ عطفاً على ﴿أُنزِلَ﴾ لأن ﴿أُنزِلَ﴾ في موضع رفع وهو ماض وقع موقع المضارع، أي هلا ينزل إليه ملك أو هو جواب التحضيض على إضمار هو، أي فهو يكون. وقراءة الجمهور بالنصب على جواب التحضيض. وقوله ﴿أَوْ يُلْقَى ﴾ ﴿أَوْ﴾ يكون عطف على ﴿أُنزِلَ﴾ أي لو لا ينزل فيكون المطلوب أحد هذه الأمور أو مجموعها باعتبار اختلاف القائلين، ولا يجوز النصب في ﴿أَوْ يُلْقَى ﴾ ولا في ﴿أَوْ تَكُونُ﴾ عطفاً على ﴿فَيَكُونَ﴾ لأنهما في حكم المطلوب بالتحضيض لا في حكم الجواب لقوله ﴿لَوْلا أُنزِلَ﴾. وقرأ قتادة والأعمش : أو يكون بالياء من تحت. وقرأ ﴿يَأْكُلُ﴾ بياء الغيبة أي الرسول، وزيد بن عليّ وحمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والأعمش بنون الجمع أي يأكلون هم من ذلك البستان فينتفعون به في دنياهم ومعاشهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٧٨
﴿وَقَالَ الظَّـالِمُونَ﴾ أي للمؤمنين. قال الزمخشري : وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوه انتهى. وتركيبه وأراد بالظالمين إياهم بأعيانهم ليس تركيباً سائغاً بل التركيب العربي أن يقول : وأرادهم بأعيانهم بالظالمين ﴿مَّسْحُورًا﴾ غلب على عقله السحر وهذا أظهر، أو ذا سحر وهو الرئة، أو يسحر بالطعام وبالشراب أي يُغذي، أو أصيب سحره كما تقول رأسته أصبت رأسه. وقيل ﴿مَّسْحُورًا﴾ ساحراً عنوا به أنه بشر مثلهم لا ملك. وتقدم تفسيره في الإسراء وبهذين القولين قيل : والقائلون ذلك النضر بن الحارث وعبد الله بن أبي أمية ونوفل بن خويلد ومن تابعهم.


الصفحة التالية
Icon