﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَه سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلا * ثُمَّ قَبَضْنَـاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا * وَهُوَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا * وَهُوَ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرَا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِا وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا * لِّنُحْـاِىَ بِهِا بَلْدَةً مَّيْتًا وَنُسْقِيَه مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَـامًا وَأَنَاسِىَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَـاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا * وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا * فَلا تُطِعِ الْكَـافِرِينَ وَجَـاهِدْهُم بِهِا جِهَادًا كَبِيرًا * وَهُوَ الَّذِى مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَـاذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا * وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَآءِ بَشَرًا فَجَعَلَه نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا * وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُم وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِا ظَهِيرًا * وَمَآ أَرْسَلْنَـاكَ إِلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * قُلْ مَآ أَسْـاَلكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِا سَبِيلا * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَىِّ الَّذِى لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِا وَكَفَى بِهِا بِذُنُوبِ عِبَادِهِا خَبِيرًا * الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِا الرَّحْمَـانُ فَسْـاَلْ بِهِا خَبِيرًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـانِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـانُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠١
لما بيِّن تعالى جهل المعترضين على دلائل الصانع وفساد طريقتهم ذكر أنواعاً من الدلائل الواضحة التي تدل على قدرته التامة لعلهم يتدبرونها ويؤمنون بمن هذه قدرته وتصرفه في عالمه، فبدأ بحال الظل في زيادته ونقصانه وتغيره من حال إلى حال وأن ذلك جار على مشيئته. وتقدم الكلام على ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ في البقرة في قصة الذي حاج إبراهيم. والمعنى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى ﴾ صنع ﴿رَبُّكَ﴾ وقدرته. و﴿كَيْفَ﴾ سؤال عن حال في موضع نصب
٥٠٢
بمد. والجملة في موضع متعلق ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ لأن ﴿تَرَ﴾ معلقة والجملة الاستفهامية التي هي معلق عنها فعل القلب ليس باقي على حقيقة الاستفهام. فالمعنى ألم تر إلى مد ربك الظل.
وقال الجمهور :﴿الظِّلَّ﴾ هنا من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس مثل ظل الجنة ظل ممدود لا شمس فيه ولا ظلمة. واعترض بأنه في غير النهار بل في بقايا الليل ولا يسمى ظلاً. وقيل :﴿الظِّلَّ﴾ الليل لا ظل الأرض وهو يغمر الدنيا كلها. وقيل : من غيبوبة الشمس إلى طلوعها وهذا هو القول الذي قبله ولكن أورده كذا. وقيل : ظلال الأشياء كلها كقوله ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَىْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلَـالُهُ﴾. وقال أبو عبيدة :﴿الظِّلَّ﴾ بالغداة والفيء بالعشي. وقال ابن السكيت :﴿الظِّلَّ﴾ ما نسخته الشمس والفيء ما نسخ الشمس. وقيل : ما لم تكن عليه الشمس ظل وما كانت عليه فزالت فيء.
﴿وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَه سَاكِنًا﴾ قال ابن عباس وقتادة وابن زيد : كظل الجنة الذي لا شمس تذهبه. وقال مجاهد : لا تصيبه ولا تزول. وقال الحسن :﴿لَوْ شَآءَ﴾ لتركه ظلاً كما هو. وقيل : لأدامه أبداً بمنع طلوع الشمس بعد غيبوبتها، فلما طلعت الشمس دلت على زوال الظل وبدا فيه النقصان فبطلوع الشمس يبدو النقصان في الظل، وبغروبها تبدو الزيادة في الظل فبالشمس استدل أهل الأرض على الظل وزيادتها ونقصه، وكلما علت الشمس نقص الظل، وكلما دنت للغروب زاد وهو قوله ﴿ثُمَّ قَبَضْنَـاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ يعني في وقت علو الشمس بالنهار ينقص الظل نقصاناً يسيراً بعد يسير وكذلك زيادته بعد نصف النهار يزيد يسيراً بعد يسير حتى يعم الأرض. كلها فأما زوال الظل كله فإنما يكون في البلدان المتوسطة في وقت.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠١