إلى رحج الأكفال غيد من الظباعذاب الثنايا ريقهنّ طهور وقرأ عيسى وأبو جعفر ﴿مَّيْتًا﴾ بالتشديد ووصف بلده بصفة المذكر لأن البلدة تكون في معنى البلد في قوله ﴿فَسُقْنَـاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ﴾ ورجح الجمهور التخفيف لأنه يماثل فعلاً من المصادر، فكما وصف المذكر والمؤنث بالمصدر فكذلك بما أشبهه بخلاف المشدد فإنه يماثل فاعلاً من حيث قبوله للثاء إلاّ فيما خص المؤنث نحو طامث. وقرأ عبد الله وأبو حيوة وابن أبي عبلة والأعمش وعاصم وأبو عمرو في رواية عنهما ﴿وَنُسْقِيَهُ﴾ بفتح النون ورويت عن عمر بن الخطاب. وقرأ يحيى بن الحارث الذماري ﴿وَأَنَاسِىَّ﴾ بتخفيف الياء. ورويت عن الكسائي ﴿وَأَنَاسِىَّ﴾ جمع إنسان في مذهب سيبويه. وجمع أنسي في مذهب الفراء والمبرد والزجاج، والقياس أناسيه كما قالوا في مهلبي مهالبة. وحكي أناسين في جمع إنسان كسرحان وسراحين، ووصف الماء بالطهارة وعلل إنزاله بالإحياء والسقي لأنه لما كان الأناسي من جملة ما أنزل له الماء وصف بالطهور وإكراماً له وتتميماً للنعمة عليه، والتعليل يقتضي أن الطهارة شرط في صحة ذلك كما تقول : حملني الأمير على فرس جواد لأصيد عليه الوحش. وقدم إحياء الأرض وسقي الأنعام على سقي الأناسي لأن حياتهم بحياة أرضهم وحياة أنعامهم، فقدم ما هو السبب في ذلك ولأنهم إذا وجدوا ما يسقي أرضهم ومواشيهم وجدوا سقياهم. ونكر الأنعام والأناسي ووصفا بالكثرة لأن كثيراً منهم لا يعيشهم إلا ما أنزل الله من المطر، وكذلك ﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِا بَلْدَةً مَّيْتًا ﴾ يريد بعض بلاد هؤلاء المتباعدين عن مظانّ الماء بخلاف سكان المدن فإنهم قريبون من الأودية والأنهار والعيون فهم غنيون غالباً عن سقي ماء المطر، وخص الأنعام من بين ما خلق من الحيوان الشارب لأن الطيور
٥٠٥
والوحش تبعد في طلب الماء فلا يعوزها الشرب بخلاف الأنعام فإنها قنية الأناسي ومنافعهم متعلقة بها فكان الإنعام عليهم بسقي أنعامهم كالإنعام بسقيهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠١
والضمير في ﴿صَرَّفْنَـاهُ﴾ عائد على الماء المنزل من السماء، أي جعلنا إنزال الماء تذكرة بأن يصرفه عن بعض المواضع إلى بعض وهو في كل عام بمقدار واحد قاله الجمهور منهم ابن مسعود وابن عباس ومجاهد، فعلى هذا التأويل ﴿إِلا كُفُورًا﴾ هو قولهم بالأنواء والكواكب قاله عكرمة. وقيل ﴿كُفُورًا﴾ على الإطلاق لما تركوا التذكر. وقال ابن عباس أيضاً : عائد على القرآن وإن لم يتقدم له ذكر لوضوح الأمر ويعضده ﴿وَجَـاهِدْهُم بِهِ﴾ لتوافق الضمائر، وعلى أنه للمطر يكون به للقرآن. وقال أبو مسلم : راجع إلى المطر والرياح والسحاب وسائر ما ذكر فيه من الأدلة. وقال الزمخشري : صرفنا هذا القول بين الناس في القرآن وفي سائر الكتب والصحف التي أنزلت على الرسل، وهو ذكر إنشاء السحاب وإنزال المطر ليتفكروا ويعتبروا ويعرفوا حق النعمة فيه ويشكروا، فأبى أكثرهم إلا كفران النعمة وجحودها وقلة الأكتراث بها. وقيل : صرّفنا المطر بينهم في البلدان المختلفة والأوقات المتغايرة وعلى الصفات المتفاوتة من وابل وطل وجود ورذاذ وديمة ورهام فأبوا إلا الكفور. وأن يقولوا مطرنا بنوء كذا ولا يذكروا رحمته وصنعته. وعن ابن عباس : ما من عام أقل مطراً من عام، ولكن الله قسم ذلك بين عباده على ما يشاء وتلا هذه الآية. ويروى أن الملائكة يعرفون عدد المطر ومقداره في كل عام لأنه لا يختلف، ولكن يختلف في البلاد وينتزع من ههنا جواب في تنكير البلدة والأنعام والأناسي كأنه قال : ليحي به بعض البلاد الميتة، ونسقيه بعض الأنعام والأناسي وذلك البعض كثير انتهى. وقرأ عكرمة ﴿صَرَّفْنَـاهُ﴾ بتخفيف الراء.
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا﴾ لما علم تعالى ما كابده الرسول من أذى قومه أعلمه أنه تعالى لو أراد لبعث في كل قرية نذيراً فيخفف عنك الأمر ولكنه أعظم أجرك وأجلك إذ جعل إنذارك عاماً للناس كلهم، وخصك بذلك ليكثر ثوابك لأنه على كثرة المجاهدة يكون الثواب، وليجمع لك حسنات من آمن بك إذ أنت مؤسسها. ﴿فَلا تُطِعِ الْكَـافِرِينَ﴾ يعنى كفار قريش فإنهم كانوا استمعوا إليه ورغبوا أن يرجع إلى دين آبائهم ويملكونه عليهم ويجمعون له مالاً عظيماً فنهاه تعالى عن طاعتهم حتى يظهر لهم أنه لا رغبة له في شيء من ذلك، لكن رغبته في الدعاء إلى الله والإيمان به. ﴿وَجَـاهِدْهُم بِهِ﴾ أي القرآن أو بالإسلام أو بالسيف أو بترك طاعتهم و﴿جِهَادًا﴾ مصدر وصف بكبيراً لأنه يلزمه عليه السلام مجاهدة جميع العالم فهو جهاد كبير.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠١