أي فليت لي بدلهم قوماً ولم يذكر متعلق الصبر مخصصاً ليعم جميع متعلقاته. وقرأ الحسن وشيبة وأبو جعفر والحرميان وأبو عمرو وأبو بكر ﴿وَيُلَقَّوْنَ﴾ بضم الياء وفتح اللام والقاف مشددة. وقرأ طلحة ومحمد اليماني وباقي السبعة بفتح الياء وسكون اللام وتخفيف القاف. والتحية دعاء بالتعمير والسلام دعاء بالسلامة، أي تحييهم الملائكة أو يحيي بعضهم بعضاً. وقيل : يحيون بالتحف جمع لهم بينهم المنافع والتعظيم. ﴿حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ معادل لقوله في جهنم ﴿سَآءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾.
ولما وصف عباده العباد وعدد ما لهم من صالح الأعمال أمر رسوله صلى الله عليه وسلّم أن يصرح للناس بأن لا اكتراث لهم عند ربهم إنما هو العبادة والدعاء في قوله ﴿لَوْلا دُعَآؤُكُمْ﴾ هو العبادة والظاهر أن ﴿مَآ﴾ نفي أي ليس ﴿يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّى لَوْلا دُعَآؤُكُمْ﴾ ويجوز أن تكون استفهامية فيها معنى النفي أي، أي عبء يعبأ بكم، و﴿دُعَآؤُكُمْ﴾ مصدر أضيف إلى الفاعل أي لولا عبادتكم إياه أي لولا دعاؤكم وتضرعكم إليه أو ما يعبأ بتعذيبكم لولا دعاؤكم الأصنام آلهة. وقيل : أضيف إلى المفعول أي لولا دعاؤه إياكم إلى طاعته. والذي يظهر أن قوله ﴿قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ﴾ خطاب لكفار قريش القائلين
٥١٧
نسجد لما تأمرنا أي لا يحفل بكم ربي لولا تضرعكم إليه واستغاثتكم إياه في الشدائد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠٩
﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ﴾ بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلّم، فتستحقون العقاب ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ﴾ العقاب وهو ما أنتجه تكذبيكم ونفس لهم في حلوله بلفظة ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامَا ﴾ أي لازماً لهم لا ينفكون منه. وقرأ عبد الله وابن عباس وابن الزبير : فقد كذب الكافرون وهو محمول على أنه تفسير لا قرآن، والأكثرون على أن اللزام هنا هو يوم بدر وهو قول ابن مسعود وأُبَيّ. وقيل : عذاب الآخرة. وقيل : الموت ولا يحمل على الموت المعتاد بل القتل ببدر. وقيل : التقدير ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ﴾ هو أي العذاب وقد صرح به من قرأ ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ﴾ العذاب ﴿لِزَامَا ﴾ والوجه أن يترك اسم كان غير منطوق به بعدما علم أنه مما توعد به لأجل الإبهام وتناول ما لا يكتنهه الوصف. وعن ابن عباس ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ﴾ هو أي التكذيب ﴿لِزَامَا ﴾ أي لازماً لكم لا تعطون توبة ذكره الزهراوي. قال الزمخشري : والخطاب إلى الناس على الإطلاق ومنهم مؤمنون عابدون ومكذبون عاصون، فخوطبوا بما وجد في جنسهم من العبادة والتكذيب ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ﴾ يقول إذا أعلمتكم أن حكمي أنى لا أعتد إلاّ بعبادتهم، فقد خالفتم بتكذيبكم حكمي فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم حتى يكبكم في النار. ونظيره في الكلام أن يقول الملك لمن عصى عليه : إن من عادتي أن أحسن إلى من يطيعني ويتبع أمري، فقد عصيت فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك. وقرأ ابن جريج : فسوف تكون بتاء التأنيث أي فسوف تكون العاقبة، وقرأ الجمهور ﴿لِزَامَا ﴾ بكسر اللام. وقرأ المنهال وأبان بن ثعلب وأبو السمال بفتحها مصدر يقول لزم لزوماً ولزاماً، مثل ثبت ثبوتاً وثباتاً. وأنشد أبو عبيدة عليّ كسر اللام لصخر الغي :
فإما ينج من حتف أرضفقد لقيا حتوفهما لزاماً
ونقل ابن خالويه عن أبي السمال أنه قرأ لزام على وزن حذام جعله مصدراً معدولاً عن اللزمة كفجار معدول عن الفجرة.
٥١٨
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٥٠٩