﴿فَجَاسُوا ﴾ بالجيم. وقرأ أبو السمال وطلحة فحاسوا بالحاء المهملة. وقرىء فتجوسوا على وزن تكسروا بالجيم. وقرأ الحسن ﴿خِلَـالَ الدِّيَارِ﴾ واحداً ويجمع على خلل كجبل وجبال، ويجوز أن يكون خلال مفرداً كالخلل وهو وسط الديار وما بينها، والجمهور على أنه في هذه البعثة الأولى خرّب بيت المقدس ووقع القتل فيهم والجلاء والأسر. وعن ابن عباس ومجاهد : أنه حين غزوا جاس الغازون خلال الديار ولم يكن قتل ولا قتال في بني إسرائيل، وانصرفت عنهم الجيوش. والضمير في ﴿وَكَانَ﴾ عائداً على وعد أولاهما. قال الزمخشري : وكان وعد العقاب وعداً لا بد أن يفعل انتهى. وقيل يعود على الجيوش ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ هذا إخبار من الله لبني إسرائيل في التوراة، وجعل ﴿رَدَدْنَا﴾ موضع نرد إذ وقت إخبارهم لم يقع الأمر بعد لكنه لما كان وعد الله في غاية الثقة أنه يقع عبر عن مستقبله بالماضي، والكرة الدولة والغلبة على الذين بعثوا عليهم حتى تابوا ورجعوا عن الفساد ملكوا بيت المقدس قبل الكرة قبل بختنصر واستبقاء بني إسرائيل أسراهم وأموالهم ورجوع الملك إليهم، وذكر في سبب ذلك أن ملكاً غزا أهل بابل وكان بختنصر قد قتل من بني إسرائيل أربعين ألفاً ممن يقرأ التوراة وأبقى بقيته عندهم ببابل في الدل، فلما غزاهم ذلك الملك وغلب على بابل تزوج امرأة من بني إسرائيل فطلبت منه أن يرد بني إسرائيل إلى بيت المقدس ففعل، وبعد مدة قامت فيهم الأنبياء فرجعوا إلى أحسن ما كانوا. وقيل : الكرة تقوية طالوت حتى حارب جالوت ونصر داود على قتل جالوت. وقال قتادة : كانوا أكثر شراً في زمان داود عليه السلام. وانتصب ﴿نَفِيرًا﴾ على التمييز. فقيل : النفير والنافر واحد وأصله من ينفر مع الرجل من عشيرته وأهل بيته قاله أبو مسلم. وقال الزجاج : يجوز أن يكون جمع نفر ككلب وكليب وعبد وعبيد، وهم المجتمعون للمصير إلى الأعداء. وقيل : النفير مصدر أي أكثر خروجاً إلى الغزو كما في قول الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢
فأكرم بقحطان من والدوحمير أكرم بقوم نفيراً
ويروى بالحميريين أكرم نفيراً، والمفضل عليه محذوف قدره الزمخشري وأكثر نفيراً مما كنتم وقدره غيره، وأكثر نفيراً من الأعداء.
﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ﴾ أي أطعتم الله كان ثواب الطاعة لأنفسكم، ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ﴾ بمعصيته كان عقاب الإساءة لأنفسكم لا يتعدّى الإحسان والإساءة إلى غيركم، وجواب وإن أسأتم قوله :﴿فَلَهَا﴾ على حذف مبتدأ محذوف ولها خبره تقديره فالإساءة لها. قال الكرماني : جاء فلها باللام ازدواجاً انتهى. يعني أنه قابل قوله لأنفسكم بقوله فلها. وقال الطبري : اللام بمعنى إلى أي فإليها ترجع الإساءة. وقيل اللام بمعنى على أي فعليها كما في قوله :
فخر صريعاً لليدين وللقم
﴿فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ الاخِرَةِ﴾ أي المرة الآخرة في إفسادكم وعلوكم، وجواب إذا محذوف يدل عليه جواب إذا الأولى تقديره بعثناهم عليكم وإفسادهم في ذلك بقتل يحيى بن زيد زكريا عليهما السلام. وسبب قتله فيما روي عن ابن عباس وغيره : أن ملكاً أراد أن يتزوج من لا يجوز له نكاحها، فنهاه يحيى بن زكريا وكان لتلك المرأة حاجة كل يوم عند الملك تقضيها، فألقت أمها إليها أن تسأله عن ذبح يحيى بن زكريا بسبب ما كان منعه من تزويج ابنتها فسألته ذلك، فدافعها فألحت عليه فدعا بطست فذبحه فندرت قطرة على الأرض فلم تزل تغلي حتى بعث الله عليهم بختنصر وألقي في نفسه أن يقتل على ذلك الدم منهم حتى يسكن، فقتل عليه منهم سبعين ألفاً. وقال السهيلي : لا يصح أن يكون المبعوث في المرة الآخرة بختنصر لأن قتل بحيى بعد رفع عيسى، وبختنصر كان قبل عيسى بزمن طويل. وقيل : المبعوث عليهم الإسكندر وبين الإسكندر وعيسى نحو ثلاثمائة سنة، ولكنه إن أريد بالمرة الأخرى حين قتلوا شعياء فكان بختنصر
١٠
إذ ذاك حياً فهو الذي قتلهم وخرب بيت المقدس وأتبعهم إلى مصر وأخرجهم منها. وروي عن عبد الله بن الزبير أن الذي غزاهم آخراً ملك اسمه خردوس وتولى قتلهم على دم يحيى بن زكرياء قائد له فسكن الدم. وقيل قتله ملك من ملوك بني إسرائيل يقال له لا حب. وقال الربيع بن أنس : كان يحيى قد أعطي حسناً وجمالاً فراودته امرأة الملك عن نفسه فأبى، فقالت لابنتها : سلي أباك رأس يحيى فأعطاها ما سألت.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢