و﴿ءَايَـاتِنَا عَجَبًا﴾ نصب على أنه صفة لمحذوف دل عليه ما قبله، وتقديره آية ﴿عَجَبًا﴾، وصفت بالمصدر أو على تقدير ذات عجب وأما أسماء فتية أهل الكهف فأعجمية لا تنضبط بشكل ولا نقط، والسند في معرفتها ضعيف والرواة مختلفون في قصصهم وكيف كان اجتماعهم وخروجهم، ولم يأت في الحديث الصحيح كيفية ذلك ولا في القرآن إلاّ ما قص تعالى علينا من قصصهم، ومن أراد تطلب ذلك في كتب التفسير. ورُوي أن اسم الملك الكافر الذي خرجوا في أيامه عن ملته اسمه دقياً نوس.
١٠١
وروي أنهم كانوا في الروم. وقيل : في الشام وأن بالشام كهفاً فيه موتي، ويزعم مجاوروه أنهم ﴿أَصْحَـابَ الْكَهْفِ﴾ وعليهم مسجد وبناء يسمي ومعهم كلب رمة. وبالأندلس في جهة غرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتي ومعهم كلب رمّة وأكثرهم قد انجرد لحمه وبعضهم متماسك، وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم ويزعم ناس أنهم ﴿أَنَّ أَصْحَـابَ الْكَهْفِ﴾. قال ابن عطية : دخلت إليهم فرأيتهم منذ أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة وعليهم مسجد وقريب منهم بناء رومي يسمي كأنه قصر مخلق قد بقي بعض جدرانه، وهو في فلاة من الأرض خربة وبأعلى حضرة غرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة يقال لها مدينة دقيوس. وجدنا في آثارها غرائب من قبور ونحوها وإنما استسهلت ذكر هذا مع بعده لأنه عجب يتخلد ذكره ما شاء الله عز وجل انتهى. وحين كنا بالأندلس كان الناس يزورون هذا الكهف ويذكرون أنهم يغلطون في عدتهم إذا عدوهم، وأن معهم كلباً ويرحل الناس إلى لوشة لزيارتهم، وأما ما ذكرت من مدينة دقيوس التي بقبلي غرناطة فقد مررت عليها مراراً لا تحصى، وشاهدت فيها حجارة كباراً، ويترجح كون أهل الكهف بالأندلس لكثرة دين النصاري بها حتى أنها هي بلاد مملكتهم العظمى، ولأن الأخبار بما هو في أقصى مكان من أرض الحجاز أغرب وأبعد أن يعرفه أحد إلاّ بوحي من الله تعالى.
والعامل في ﴿الْمُرْسَلِينَ * إِذْ﴾. قيل : أذكر مضمرة. وقيل ﴿عَجَبًا﴾، ومعنى ﴿أَوَى﴾ جعلوه مأوى لهم ومكان اعتصام، ثم دعوا الله تعالى أن يؤتيهم رحمة من عنده وفسرها المفسرون بالرزق. وقال الزمخشري : هي المغفرة والرزق والأمن من الأعداء. و﴿الْفِتْيَةُ﴾ جمع فتي جمع تكسير جمع قلة، وكذلك كانوا قليلين. وعند ابن السراج أنه اسم جمع لا جمع تكسير. ولفظ ﴿الْفِتْيَةُ﴾ يشعر بأنهم كانوا شباباً وكذا روي أنهم كانوا شباباً من أبناء الأشراف والعظماء مطوقين مسورين بالذهب ذوي ذوائب وهم من الروم، اتبعوا دين عيسى عليه السلام. وقيل : كانوا قبل عيسى وأصحابنا الأندلسيون تكثر في ألفاظهم تسمية نصاري الأندلس بالروم في نثرهم ونظمهم ومخاطبة عامتهم، فيقولون : غزونا الروم، جاءنا الروم. وقل من ينطق بلفظ النصاري، ولما دعوا بإيتاء الرحمة وهي تتضمن الرزق وغيره، دعوا الله بأن يهيء لهم من أمرهم الذي صاروا إليه من مفارقة دين أهليهم وتوحيد الله رشداً وهي الاهتداء والديمومة عليه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١
وقال الزمخشري : واجعل ﴿أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ كله كقولك رأيت منك أسداً. وقرأ أبو جعفر وشيبة والزهري : وهي ويهيي بياءين من غير همز، يعني أنه أبدل الهمزة الساكنة ياء. وفي كتاب ابن خالويه الأعشى عن أبي بكر عن عاصم : وهيء لنا ويهي لكم لا يهمز انتهى. فاحتمل أن يكون أبدل الهمزة ياءً، واحتمل أن يكون حذفها فالأول إبدال قياسي، والثاني مختلف فيه ينقاس حذف الحرف المبدل من الهمزة في الأمر أو المضارع إذا كان مجزوماً. وقرأ أبو رجاء : رشد بضم الراء وإسكان الشين. وقرأ الجمهور ﴿رَشَدًا﴾ بفتحهما. قال ابن عطية : وهي أرجح لشبهها بفواصل الآيات قبل وبعد، وهذا الدعاء منهم كان في أمر دنياهم وألفاظه تقتضي ذلك، وقد كانوا على ثقة من رشد الآخرة ورحمتهما، وينبغي لكل مؤمن أن يجعل دعاءه في أمر دنياه هذه الآية فإنها كافية، ويحتمل ذكر الرحمة أن يراد بها أمر الآخرة انتهى.
﴿فَضَرَبْنَا عَلَى ءَاذَانِهِمْ﴾ استعارة بديعة للإنامة المستثقلة التي لا يكاد يسمع معها، وعبر بالضرب ليدل على قوة المباشرة واللصوق واللزوم ومنه ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ وضرب الجزية وضرب البعث. وقال الفرزدق :
ضربت عليك العنكبوت بنسجهاوقضي عليك به الكتاب المنزل
١٠٢
وقال الأسود بن يعفر
ومن الحوادث لا أبا لك أننيضربت على الأرض بالأسداد وقال آخر :


الصفحة التالية
Icon