وذكر أبو نعيم الحافظ عن عطاء الخراساني أنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه آلهة فاعتزلت الفتية عبادة تلك الآلهة ولم يعتزلوا عبادة الله. وقال هذا أيضاً الفرّاء، ومنقطع إن كانوا لا يعرفون الله ولا يعبدونه لعدم اندراجه في معبوداتهم. وفي مصحف عبد الله ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ﴾ من دوننا انتهى وما في مصحف عبد الله فيما ذكر هارون إنما أريد به تفسير المعنى. وإن هؤلاء الفتية اعتزلوا قومهم ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ﴾ من دون الله وليس ذلك قرآناً لمخالفتها لسواد المصحف، ولأن المستفيض عن عبد الله بل هو متواتر ما ثبت في السواد وهو ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ﴾. وقيل :﴿وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ﴾ كلام معترض إخبار من الله تعالى عن الفتية أنهم لم يعبدوا غير الله تعالى، فعلى هذا ﴿مَّآ﴾ فيه و﴿إِلا﴾ استثناء مفرغ له العامل.
﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ أي اجعلوه مأوى لكم تقيمون فيه وتأوون إليه. وقوله ﴿يَنشُرْ﴾ فيه ما كانوا عليه من التوكل حيث أووا إلى كهف، ورتبوا على مأواهم
١٠٦
إليه نشر رحمة الله عليهم وتهيئة رفقه تعالى بهم لأن من أخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان لا يضيعه، والمعنى أنه تعالى سيبسط علينا رحمته ويهيء لنا ما نرتفق به في أمر عيشنا.
قال ابن عباس :﴿اللَّهُ لَكُمْ﴾ يسهل عليكم ما تخافون من الملك وظلمه، ويأتيكم باليسر والرفق واللطف. وقال ابن الأنباري : المعنى ﴿اللَّهُ لَكُمْ﴾ بدلاً من أمركم الصعب ﴿مِّرْفَقًا﴾. قال الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١
فليت لنا من ماء زمزم شربةمبردة باتت على طهيان أي بدلاً من ماء زمزم. وقال الزمخشري : إما أن يقولوا ذلك ثقة بفضل الله وقوة في رجائهم لتوكلهم عليه ونصوع يقينهم، وإما أن يخبرهم به نبيّ في عصرهم، وإما أن يكون بعضهم نبياً. وقرأ أبو جعفر والأعرج وشيبة وحميد وابن سعدان ونافع وابن عامر وأبو بكر في رواية الأعشى والبرجي والجعفي عنه، وأبو عمرو في رواية هارون بفتح الميم وكسر الفاء. وقرأ ابن أبي إسحاق وطلحة والأعمش وباقي السبعة بكسر الميم وفتح الفاء رفقاً لأن جميعاً في الأمر الذي يرتفق به وفي الجارحة حكاه الزجاج وثعلب. ونقل مكي عن الفراء أنه قال : لا أعرف في الأمر وفي اليد وفي كل شيء إلاّ كسر الميم، وأنكر الكسائي أن يكون المرفق من الجارحة إلاّ بفتح الميم وكسر الفاء، وخالفه أبو حاتم وقال : المرفق بفتح الميم الموضع كالمسجد. وقال أبو زيد : هو مصدر كالرفق جاء على مفعل. وقيل : هما لغتان فيما يرتفق به وإما من اليد فبكسر الميم وفتح الفاء لا غير، وعن الفراء أهل الحجاز يقولون ﴿مِّرْفَقًا﴾ بفتح الميم وكسر الفاء فيما ارتفقت به ويكسرون مرفق الإنسان، والعرب قد يكسرون الميم منهما جميعاً انتهى وأجاز معاذ فتح الميم والفاء.
﴿وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مِّنْه ذَالِكَ﴾.
هنا جمل محذوفة دل عليها ما تقدم، والتقدير ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ فألقى الله عليهم النوم واستجاب دعاءهم وأرفقهم في الكهف بأشياء. وقرأ الحرميان، وأبو عمر و﴿تَّزَاوَرُ﴾ بإدغام تتزاور في الزاي. وقرأ الكوفيون، والأعمش، وطلحة، وابن أبي ليلى، وابن مناذر، وخلف، وأبو عبيد، وابن سعدان، ومحمد بن عيسى الأصبهاني، وأحمد بن جبير الأنطاكي بتخفيف الزاي إذا حذفوا التاء. وقرأ ابن أبي إسحاق، وابن عامر، وقتادة، وحميد، ويعقوب عن العمري : تزورّ على وزن تحمر. وقرأ الجحدري، وأبو رجاء، وأيوب السختياني، وابن أبي عبلة،
١٠٧
وجابر، وورد عن أيوب على وزن تحمارّ. وقرأ ابن مسعود، وأبو المتوكل : تزوئرُّ بهمزة قبل الراء على قولهم ادهأمّ واشعألّ فراراً من التقاء الساكنين، والمعنى تزوغ وتميل.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١


الصفحة التالية
Icon