وقال ابن عطية : الإشارة بذلك إلى الأمر الذي ذكره الله في جهتهم والعبرة التي فعلها فيهم، واللام في ﴿لِيَتَسَآءَلُوا ﴾ لام الصيرورة لأن بعثهم لم يكن لنفس تساؤلهم انتهى. والقائل. قيل : كبيرهم مكلمينا. وقيل : صاحب نفقتهم تمليخاً وكم سؤال عن العدد والمعنى كم يوماً أقمتم نائمين، والظاهر صدور الشك من المسؤولين. وقيل :﴿أَوْ﴾ للتفضيل. قال بعضهم ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا﴾. وقال بعضهم ﴿بَعْضَ يَوْمٍ﴾ والسائل أحس في خاطره طول نومهم ولذلك سأل. قيل : ناموا أول النهار واستيقظوا آخر النهار، وجوابهم هذا مبني على غلبة الظن والقول بالظن الغالب لا يعد كذباً، ولما عرض لهم الشك في الإخبار ردوا علم لبثهم إلى الله تعالى.
وقال الزمخشري :﴿قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ﴾ إنكار عليهم من بعضهم وأن الله تعالى أعلم بمدة لبثهم كان هؤلاء قد علموا بالأدلة أو بإلهام من الله أن المدة متطاولة وأن مقدارها مبهم لا يعلمه إلاّ الله انتهى. ولما انتبهوا من نومهم أخذهم ما يأخذ من نام طويلاً من الحاجة إلى الطعام، واتصل ﴿فَابْعَثُوا ﴾ بحديث التساؤل كأنهم قالوا خذوا فيما يهمكم ودعوا علم ذلك إلى الله. والمبعوث قيل هو تمليخاً، وكانوا قد استصحبوا حين خرجوا فارين دراهم لنفقتهم وكانت حاضرة عندهم، فلهذا أشاروا إليها بقولهم ﴿هَـاذِهِ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١
وقرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر والحسن والأعمش واليزيدي ويعقوب في رواية، وخلف وأبو عبيد وابن سعدان ﴿بِوَرِقِكُمْ﴾ بإسكان الراء. وقرأ باقي السبعة وزيد بن عليّ بكسرها. وقرأ أبو رجاء بكسر الواو وإسكان الراء وإدغام القاف في الكاف وكذا إسماعيل عن ابن محيض، وعن ابن محيض أيضاً
١١٠
كذلك إلاّ أنه كسر الراء ليصح الإدغام، وقال الزمخشري : وقرأ ابن كثير ﴿بِوَرِقِكُمْ﴾ بكسر الراء وإدغام القاف في الكاف انتهى. وهو مخالف لما نقل الناس عنه. وحكى الزجاج قراءة بكسر الواو وسكون الراء دون إدغام. وقرأ عليّ بن أبي طالب بوارقكم على وزن فاعل جعله اسم جمع كباقر وجائل.
و﴿الْمَدِينَةِ﴾ هي مدينتهم التي خرجوا منها، وقيل وتسمى الآن طرسوس وكان اسمها عند خروجهم أفسوس. ﴿فَلْيَنظُرْ﴾ يجوز أن يكون من نظر العين، ويجوز أن يكون من نظر القلب، والجملة في موضع نصب بفلينظر معلق عنها الفعل. و﴿أَيُّهَآ﴾ استفهام مبتدأ و﴿أَزْكَى ﴾ خبره، ويجوز أن يكون ﴿أَيُّهَآ﴾ موصولاً مبنياً مفعولاً لينظر على مذهب سيبويه، و﴿أَزْكَى ﴾ خبر مبتدأ محذوف. و﴿أَزْكَى ﴾ قال ابن عباس وعطاء أحل ذبيحة وأطهر لأن عامة بلدتهم كانوا كفاراً يذبحون للطواغيت. وقال ابن جبير : أحل طعاماً. قال الضحاك : وكان أكثر أموالهم غصوباً. وقال مجاهد : قالوا له لا تبتع طعاماً فيه ظلم. وقال عكرمة : أكثر. وقال قتادة : أجود. وقال ابن السائب ومقاتل : أطيب. وقال يمان بن ريان : أرخص. وقيل : أكثر بركة وريعاً. وقيل : هو الأرز. وقيل : التمر. وقيل : الزبيب. وقيل : في الكلام حذف أي أيّ أهلها ﴿أَزْكَى طَعَامًا﴾ فيكون ضمير المؤنث عائداً على ﴿الْمَدِينَةِ﴾ وإذا لم يكن حذف فيكون عائده على ما يفهم من سياق الكلام كأنه قيل أي المآكل.
وفي قوله :﴿فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ﴾ دليل على أن حمل النفقة وما يصلح للمسافر هو رأي المتوكلين على الله دون المتوكلين على الإنفاقات وعلى ما في أوعية الناس. وقال بعض العلماء : ما لهذا السفر يعني سفر الحج إلا شيئان شد الهميان والتوكل على الرحمن. ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ في اختفائه وتحيله مدخلاً ومخرجاً. وقال الزمخشري : وليتكلف اللطف والنيقة فيما يباشره من أمر المبايعة حتى لا يغبن، أو في أمر التخفي حتى لا يعرف انتهى. والوجه الثاني هو الظاهر. وقرأ الحسن :﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ بكسر لام الأمر، وعن قتيبة الميال ﴿وَلْيَتَلَطَّفْ﴾ بضم الياء مبنياً للمفعول. ﴿وَلا يُشْعِرَنَّ﴾ أي لا يفعل ما يؤدي من غير قصد منه إلى الشعور بنا، سمي ذلك إشعاراً منه بهم لأنه سبب فيه. وقرأ أبو صالح ويزيد بن القعقاع وقتيبة ﴿وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ﴾ أحد ببناء الفعل للفاعل، ورفع أحد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١
والضمير في ﴿إِنَّهُمْ﴾ عائد على ما دل عليه المعنى من كفار تلك المدينة. وقيل : ويجوز أن يعود على ﴿أَحَدًا﴾ لأن لفظه للعموم فيجوز أن يجمع الضمير كقوله ﴿فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـاجِزِينَ﴾ ففي حاجزين ضمير جمع عائد على أحد.


الصفحة التالية
Icon