وقرأ عمر بن فائد وموسى الأسواري وعمرو بن عبيد ﴿أَغْفَلْنَا﴾ بفتح اللام ﴿قَلْبَهُ﴾ بضم الباء أسند الأفعال إلى القلب. قال ابن جنيِّ من ظننا غافلين عنه. وقال الزمخشري : حسبنا قلبه غافلين من أغفلته إذا وجدته غافلاً انتهى. ﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ في طلب الشهوات ﴿وَكَانَ أَمْرُه فُرُطًا﴾. قال قتادة ومجاهد : ضياعاً. وقال مقاتل بن حيان : سرفاً. وقال الفرّاء : متروكاً. وقال الأخفش : مجاوزاً للحد. قيل : وهو قول عتبة إن أسلمنا أسلم الناس. وقال ابن بحر : الفرط العاجل السريع، كما قال ﴿وَكَانَ الانسَـانُ عَجُولا﴾. وقيل : ندماً. وقيل : باطلاً. وقال ابن زيد : مخالفاً للحق. وقال ابن عطية : الفرط يحتمل أن يكون بمعنى التفريط والتضييع، أي أمره الذي يجب أن يلزم، ويحتمل أن يكون بمعنى الإفراط والإسراف أي ﴿أَمْرُهُ﴾ و﴿هَوَاهُ﴾ الذي هو بسبيله انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١
و﴿الْحَقُّ﴾ يجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف، فقدره ابن عطية هذا ﴿الْحَقُّ﴾ أي هذا القرآن أو هذا الإعراض عنكم وترك الطاعة لكم وصبر النفس مع المؤمنين. وقال الزمخشري :﴿الْحَقُّ﴾ خبر مبتدأ محذوف والمعنى جاء الحق وزاحت العلل فلم يبق إلاّ اختياركم لأنفسكم ما شئتم من الأخذ في طريق النجاة أو في طريق الهلاك، وجيء بلفظ الأمر والتخيير لأنه لما مكن من اختيار أيهما شاء فكأنه مخير مأمور بأن يتخير ما شاء من النجدين انتهى. وهو على طريق المعتزلة ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره ﴿مِن رَّبِّكُمْ﴾. قال الضحاك : هو التوحيد. وقال مقاتل : هو القرآن. وقال مكي : أي الهدى والتوفيق والخذلان من عند الله يهدي من يشاء فيوفقه فيؤمن، ويضل من يشاء فيخذله فيكفر ليس إليّ من ذلك شيء. وقال الكرماني : أي الإسلام والقرآن، وهذا الذي لفظه لفظ الأمر معناه التهديد والوعيد ولذلك عقبه بقوله :﴿إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ﴾ قال معناه ابن عباس. وقال السدّي : هو منسوخ بقوله ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ وهذا قول ضعيف، والظاهر أن الفاعل بشاء عائد على ﴿مَنْ﴾.
وعن ابن عباس من شاء الله له بالإيمان آمن، ومن لا فلا انتهى. وحكي ابن عطية عن فرقة أن الضمير في ﴿شَآءَ﴾ عائد على الله تعالى، وكأنه لما كان الإيمان والكفر تابعين لمشيئة الله جاء بصيغة الأمر حتى كأنه تحتم وقوعه مأمور به مطلوب منه. وقرأ أبو السمال قعنب وقلَ الحق بفتح اللام حيث وقع. قال أبو حاتم : وذلك رديء في العربية انتهى. وعنه أيضاً ضم اللام حيث وقع كأنه اتباع لحركة القاف. وقرأ أيضاً ﴿الْحَقُّ﴾ بالنصب. قال صاحب اللوامح : هو على صفة المصدر المقدر لأن الفعل يدل على مصدره وإن لم يذكر فينصبه معرفة كنصبه إياه نكرة، وتقديره ﴿وَقُلِ﴾ القول ﴿الْحَقُّ﴾ وتعلق ﴿مَنْ﴾ بمضمر على ذلك مثل هو إرجاء والله أعلم. وقرأ الحسن وعيسى الثقفي بكسر لامي الأمر.
ولما تقدم الإيمان والكفر أعقب بما أعد لهما فذكر ما أعد للكافرين يلي قوله ﴿فَلْيَكْفُرْ﴾ وأتى بعد ذلك بما أعد للمؤمنين، ولما كان الكلام مع الكفار وفي سياق ما طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلّم كانت البداءة بما أعد لهم أهم وآكد، وهما طريقان للعرب هذه الطريق والأخرى أنه يجعل الأول في التقسيم للأول في الذكر، والثاني للثاني. والسرادق قال ابن عباس : حائط من نار محيط
١٢٠
بهم. وحكي أقضى القضاة الماوردي أنه البحر المحيط بالدنيا. وحكي الكلبي : أنه عنق يخرج من النار فيحيط بالكفار. وقيل : دخان ﴿وَإِن يَسْتَغِيثُوا ﴾ يطلبوا الغوث مما حل بهم من النار وشدة إحراقها واشتداد عطشهم ﴿يُغَاثُوا ﴾ على سبيل المقابلة وإلاّ فليست إغاثة. وروي في الحديث أنه عكر الزيت إذا قرب منه سقطت فروة وجهه فيه. وقال ابن عباس : ماء غليظ مثل دردي الزيت. وعن مجاهد أنه القيح والدم الأسود. وعن ابن جبير : كل شيء ذائب قد انتهى حرّه. وذكر ابن الأنباري أنه الصديد. وعن الحسن أنه الرماد الذي ينفط إذا خرج من التنور. وقيل : ضرب من القطران.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٩١