أي ولكنك زنجي، وأجاز أبو علي أن تكون لكن لحقتها نون الجماعة التي في خرجنا وضربنا ووقع الإدغام لاجتماع المثلين ثم وحد في ﴿رَّبِّى ﴾ على المعنى، ولو اتبع اللفظ لقال ربنا انتهى. وهو تأويل بعيد. وقال ابن عطية : ويتوجه في لكنا أن تكون المشهورة من أخوات إن المعنى لكن قولي ﴿هُوَ اللَّهُ رَبِّى﴾ إلاّ أني لا أعرف من يقرأ بها وصلاً ووقفاً انتهى. وذكر أبو القاسم يوسف بن عليّ ابن جبارة الهذلي في كتاب الكامل في القراءات من تأليفه ما نصه : يحذفها في الحالين يعني الألف في الحالين يعني الوصل والوقف حمصي وابن عتبة وقتيبة غير الثقفي، ويونس عن أبي عمر ويعني بحمصي ابن أبي عبلة وأبا حيوة وأبا بحرية. قرأ أبيّ والحسن ﴿لَّـاكِنَّا ﴾ أنا ﴿هُوَ اللَّهُ﴾ على الإنفصال، وفكه من الإدغام وتحقيق الهمز، وحكاها ابن عطية عن ابن مسعود. وقرأ عيسى الثقفي ﴿لَّـاكِنَّا هُوَ اللَّهُ﴾ بغير أنا، وحكاها ابن خالويه عن ابن مسعود، وحكاها الأهوازي عن الحسن. فأما من أثبت ﴿هُوَ﴾ فإنه ضمير الأمر والشأن، وثم قول محذوف أي ﴿لَّـاكِنَّا ﴾ أنا أقول ﴿هُوَ اللَّهُ رَبِّى﴾ ويجوز أن يعود على الذي ﴿خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ﴾، أي أما أقول :﴿هُوَ﴾ أي خالقك ﴿اللَّهُ رَبِّى﴾ و﴿رَّبِّى ﴾ نعت أو عطف بيان أو بدل، ويجوز أن لا يقدر. أقول محذوفة فيكون أنا مبتدأ، و﴿هُوَ﴾ ضمير الشأن مبتدأ ثان و﴿اللَّهُ﴾ مبتدأ ثالث، و﴿رَّبِّى ﴾ خبره والثالث خبر عن الثاني، والثاني وخبره خبر عن أنا، والعائد عليه هو الياء في ﴿رَّبِّى ﴾، وصار التركيب نظير هند هو زيد ضاربها. وعلى رواية هارون يجوز أن يكون هو توكيد الضمير النصب في لكنه العائد على الذي خلقك، ويجوز أن يكون فصلاً لوقوعه بين معرفين، ولا يجوز أن يكون ضمير شأن لأنه لا عائد على اسم لكن من الجملة الواقعة خبراً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٣
وفي قوله و﴿وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّى أَحَدًا﴾ تعريض بإشراك صاحبه وأنه مخالفه في ذلك، وقد صرح بذلك صاحبه في قوله يا ليتني لم أشرك بربي أحداً. وقيل : أراد بذلك أنه لا يرى الغنى والفقر إلاّ منه تعالى، يفقر من يشاء ويغني من يشاء. وقيل : لا أعجز قدرته على
١٢٨
الإعادة، فأسَّوي بينه وبين غيره فيكون إشراكاً كما فعلت أنت.
ولما وبخ المؤمن الكافر أورد له ما ينصحه فحضه على أن كان يقول إذا دخل جنته ﴿مَا شَآءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ﴾ أي الأشياء مقذوفة بمشيئة الله إن شاء أفقر، وإن شاء أغنى، وإن شاء نصر، وإن شاء خذل. ويحتمل أن تكون ما شرطية منصوبة بشاء، والجواب محذوف أي أي شيء شاء الله كان، ويحتمل أن تكون موصولة بمعنى الذي موفوعة على الابتداء، أي الذي شاءه الله كائن، أو على الخبر أي الأمر ما شاء الله ﴿وَلَوْلا﴾ تحضيضية، وفصل بين الفعل وبينها بالظرف وهو معمول لقوله ﴿قُلْتَ﴾. ثم نصحه بالتبرىء من القوة فيما يحاوله ويعانيه وأن يجعل القوة لله تعالى. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لأبي هريرة :"ألا أدلك على كلمة من كنز الجنة" ؟ قال : بلى يا رسول الله، قال :"لا قوة إلاّ بالله إذا قالها العبد قال الله عز وجل أسلم عبدي واستسلم". ونحوه من حديث أبي موسى وفيه إلاّ بالله العلي العظيم.
ثم أردف تلك النصيحة بترجية من الله، وتوقعه أن يقلب ما به وما بصاحبه من الفقر والغنى. فقال :﴿إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا﴾ أي إني أتوقع من صنع الله تعالى وإحسانه أن يمنحني جنة خيراً من جنتك لإيماني به، ويزيل عنك نعمته لكفرك به ويخرب بستانك. وقرأ الجمهور :﴿أَقُلْ﴾ بالنصب مفعولاً ثانياً لترني وهي علمية لا بصرية لوقوع ﴿إِنَّآ﴾ فصلاً، ويجوز أن يكون توكيداً للضمير المنصوب في ترني، ويجوز أن تكون بصرية و﴿إِنَّآ﴾ توكيد للضمير في ترني المنصوب فيكون ﴿أَقُلْ﴾ حالاً. وقرأ عيسى بن عمر ﴿أَقُلْ﴾ بالرفع على أن تكون أنا مبتدأ، و﴿أَقُلْ﴾ خبره، والجملة في موضع مفعول ترني الثاني إن كانت علمية، وفي موضع الحال إن كانت بصرية. ويدل قوله ﴿وَوَلَدًا﴾ على أن قوله صاحبه ﴿وَأَعَزُّ نَفَرًا﴾ عنى به الأولاد إن قابل كثرة المال بالقلة وعزة النفر بقلة الولد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٢٣