التقدير : هلموا إلى الطعام. وقال الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى : وألق عصاك، وأدخل يدك، في ﴿تِسْعِ ءَايَـاتٍ﴾، أي في جملة تسع آيات. ولقائل أن يقول : كانت الآيات إحدى عشرة، ثنتان منها : اليد والعصا، والتسع : الفلق، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمسة، والجذب في بواديهم، والنقصان من مزارعهم. انتهى. فعلى الأول يكون العصا واليد داخلتين في التسع، وعلى الثاني تكون في بمعنى مع، أي مع تسع آيات. وقال ابن عطية :﴿وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى﴾ متصل بقوله :﴿وَأَدْخِلْ﴾، وفيه اقتضاب وحذف تقديره : نمهد ذلك وتيسر لك في جملة تسع آيات وهي : العصا، واليد، والطوفان، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، والطمس، والحجر ؛ وفي هذين الأخيرين اختلاف، والمعنى : يجيء بهنّ إلى فرعون وقومه. وقال الزجاج : في تسع آيات، أي من تسع آيات، كما تقول : خذ ﴿لِّى ﴾ عشراً من الإبل فيها فحلان، أي منها إلى فرعون، أي مرسلاً إلى فرعون. انتهى. وانتصب ﴿مُبْصِرَةً﴾ على الحال، أي بينة واضحة، ونسب الإبصار إليها على سبيل المجاز، لما كان يبصر بها جعلت مبصرة، أو لما كان معها الإبصار والوضوح. وقيل : لجعلهم بصراء، من قولل : أبصرته المتعدية بهمزة النقل من بصر. وقيل : فاعل بمعنى مفعول، كماء دافق. وقرأ قتادة، وعلي بن الحسين : مبصرة، بفتح الميم والصاد، وهو مصدر، كما تقول : الولد مجبنة، وأقيم مقام الاسم، وانتصب أيضاً على الحال، وكثر هذا الوزن في صفات الأماكن نحو : أرض مسبعة، ومكان مضنية. قال الزمخشري : أي مكاناً يكثر فيه التبصر. انتهى. والأبلغ في :﴿وَاسْتَيْقَنَتْهَآ﴾ أن تكون الواو واو الحال، أي كفروا بها وأنكروها في الظاهر، وقد استيقنت أنفسهم في الباطن أنها آيات من عند الله، وكابروا وسموها سحراً. وقال تعالى، حكاية عن موسى في محاورته لفرعون :﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ بَصَآاِرَ﴾. ﴿ظُلْمًا﴾ : مجاوزة الحد، ﴿وَعُلُوًّا ﴾ : ارتفاعاً وتكبراً عن الإيمان، وانتصبا على أنهما مصدران في موضع الحال، أي ظالمين عالين ؛ أو مفعولان من أجلهما، أي لظلمهم وعلوهم، أي الحامل لهم على الإنكار والجحود، مع استيقان أنها آيات من عند الله هو الظلم والعلو. واستفعل هنا بمعنى تفعل نحو : استكبر في معنى تكبر. وقرأ عبد الله، وابن وثاب، والأعمش، وطلحة، وأبان بن تغلب، وعلياً : تقلب الواو ياء، وكسر العين واللام، وأصله فعول، لكنهم كسروا العين اتباعاً ؛ وروي ضمها عن ابن وثاب والأعمش وطلحة، وتقدم الخلاف في كفر العناد، هل يجوز أن يقع أم لا ؟ والعاقبة : ما آل إليه قوم فرعون من سوء المنقلب، وما أعد لهم في الآخرة أشد، وفي هذا تمثيل لكفار قريش، إذ كانوا مفسدين مستعلين، وتحذيرهم أن يحل بهم مثل ما حل بمن كان قبلهم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٠
﴿وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُادَ وَسُلَيْمَـانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ * وَوَرِثَ سُلَيْمَـانُ دَاوُادَا وَقَالَ يَـا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾.
هذا ابتداء قصص وأخبار بمغيبات وعبر ونكر. ﴿عِلْمًا﴾ لأنه طائفة من العلم. وقال قتادة : علماً : فهماً. وقال مقاتل : علماً بالقضاء. وقال ابن عطاء : علماً بالله تعالى. وقال الزمخشري : أو علماً سنياً عزيزاً. ﴿وَقَالا﴾ قال : فإن قلت : أليس هذا موضع الفاء دون الواو، كقولك : أعطيته فشكر ومنعته فصبر ؟ قلت : بلى، ولكن عطفه بالواو إشعار بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما إيتاء العلم وشيء من مواجبه، فأضمر ذلك، ثم عطف عليه التحميد، كأنه قال : ولقد آتيناهما علماً، فعملا به وعلماه، وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة، ﴿وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾، والكثير المفضل عليه من لم يؤت علماً، أو من يؤت مثل علمهما، وفي الآية دليل على شرف العلم. انتهى. والموروث : الملك والنبوّة، بمعنى : صار ذلك إليه بعد موت أبيه فسمي ميراثاً تجوزاً، كما قيل : العلماء ورثة الأنبياء. وحقيقة الميراث في المال والأنبياء لا نورث مالاً، وكان لداود تسعة عشر ولداً ذكراً، فنبىء سليمان من بينهم وملك. وقيل : ولاه على بني إسرائيل في حياته من بين سائر أولاده، فكانت الولاية في معنى الوراثة. وقال الحسن : ورث المال لأن النبوة عطية مبتدأة لا تورث. وقيل : الملك والسياسة. وقيل : النبوة فقط، والأظهر القول الأول، ويؤيده قوله :﴿عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ﴾، فهذا يدل على النبوة ؛ ﴿وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْءٍ ﴾ يدل على الملك، وكان هذا شرحاً للميراث. وقوله :﴿إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ﴾ يقوي ذلك، ولا يناسب شيء من هذا وراثة المال.