وهذه أقوال يحتملها لفظ تفتنون، وجاء تفتنون بتاء الخطاب على مراعاة أنتم، وهو الكثير في لسان العرب. ويجوز يفتنون بياء الغيبة على مراعاة لفظ قوم، وهو قليل. تقول العرب : أنت رجل تأمر بالمعروف، بتاء الخطاب وبياء الغيبة. والمدينة مجتمع ثمود وقريتهم، وهي الحجر. وذكر المفسرون أسماء التسعة، وفي بعضها اختلاف، ورأسهم : قدار بن سالف، وأسماؤهم لا تنضبط بشكل ولا تتعين، فلذلك ضربنا صفحاً عن ذكرها، وكانوا عظماء القرية وأغنياءها وفساقها. والرهط : من الثلاثة إلى العشرة، والنفر : من الثلاثة إلى التسعة، واتفق المفسرون على أن المعنى : تسعة رجال. وقال الزمخشري : إنما جاز تمييز التسعة بالرهط لأنه في معنى الجماعة، فكأنه قيل : تسعة أنفس. انتهى. وتقدير غيره : تسعة رجال هو الأولى، لأنه من حيث أضاف إلى أنفس كان ينبغي أن يقول : تسع أنفس، على تأنيث النفس، إذ الفصيح فيها التأنيث. ألا تراهم عدواً من الشذوذ قول الشاعر :
ثلاثة أنفس وثلاث ذود
فأدخل التاء في ثلاثة ؛ وكان الفصيح أن يقول : ثلاث أنفس. وقال أبو عبد الله الرازي : الأقرب أن يكون المراد تسعة جمع، إذ الظاهر من الرهط الجماعة لا الواحد، ثم يحتمل أنهم كانوا قبائل، ويحتمل أنهم دخلوا تحت العدد، لاختلاف صفاتهم وأحوالهم، لا لاختلاف أجناسهم. انتهى. قيل : والرهط اسم الجماعة، وكأنهم كانوا رؤساء، مع كل واحد منهم رهط. وقال الكرماني : وأصله من الترهيط، وهو تعظيم اللقم وشدة الأكل. انتهى. ورهط : اسم جمع، واتفقوا على أن فصله بمن هو الفصيح كقوله تعالى :﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ﴾. واختلفوا في جواز إضافة العدد إليه، فذهب الأخفش إلى أنه لا ينقاس، وما ورد من الإضافة إليه فهو على سبيل الندور. وقد صرح سيبويه أنه لا يقال : ثلاث غنم، وذهب قوم إلى أنه يجوز ذلك وينقاس، وهو مع ذلك قليل، وفصل قوم بين أن يكون اسم الجمع للقليل، كرهط ونفر وذود، فيجوز أن يضاف إليه، أو للتكثير، أو يستعمل لهما، فلا تجوز إضافته إليه، وهو قول المازني، وقد أطلنا الكلام في هذه المسألة في (شرح التسهيل).
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
و﴿يُفْسِدُونَ﴾ : صفة لتسعة رهط، والمعنى : أنهم يفسدون الفساد العظيم الذي لا يخالطه شيء من الإصلاح، فلذلك قال :﴿وَلا يُصْلِحُونَ﴾، لأن بعض من يقع منه إفساد قد يقع منه إصلاح في بعض الأحيان. وقرأ الجمهور : تقاسموا، وابن أبي ليلى : تقسموا، بغير ألف وتشديد السين، وكلاهما من القسم والتقاسم والتقسيم، كالتظاهر والتظهير. والظاهر أن قوله ﴿تَقَاسَمُوا ﴾ فعل أمر محكي بالقول، وهو قول الجمهور، أشار بعضهم على بعض بالحلف على تبييت صالح. وأجاز الزمخشري وابن عطية أن يكون تقاسموا فعلاً ماضياً في موضع الحال، أي قالوا متقاسمين. قال الزمخشري : تقاسموا يحتمل أن يكون أمراً وخبراً على محل الحال بإضمار قد، أي قالوا : متقاسمين. انتهى. أما قوله : وخبراً، فلا يصح لأن الخبر هو أحد قسمي الكلام، إذ هو منقسم إلى الخبر والإنشاء، وجميع معانيه إذا حققت راجعة إلى هذين القسمين. وقال بعد ذلك وقرىء لنبيتنه بالياء والتاء والنون، فتقاسموا مع النون والتاء يصح فيه الوجهان، يعني فيه : أي في تقاسموا بالله، والوجهان هما الأمر والخبر عنده. قال : ومع الياء لا يصح إلا أن يكون خبراً. انتهى. والتقييد بالحال ليس إلا من باب نسبة التقييد، لا من نسبة الكلام التي هي الإسناد، فإذا أطلق عليها الخير، كان ذلك على تقدير أنها لو لم تكن حالاً لجاز أن
٨٣
تستعمل خبراً، وكذلك قولهم في الجملة الواقعة قبله صلة أنها خبرية هو مجاز، والمعنى : أنها لو لم تكن صلة، لجاز أن تستعمل خبراً، وهذا شيء فيه غموض، ولا يحتاج إلى الإضمار، فقد كثر وقوع الماضي حالاً بغير قد كثرة ينبغي القياس عليها. وعلى هذا الإعراب، احتمل أن يكون ﴿بِاللَّهِ﴾ متعلقاً بتقاسموا الذي هو حال، فهو من صلته ليس داخلاً تحت القول. والمقول :﴿لَنُبَيِّتَنَّهُ﴾ وما بعده احتمل أن يكون هو وما بعده هو المقول.


الصفحة التالية
Icon