والأرض، والحاجز من الهواء. وقال الحسن : بحر فارس والروم، وقال السدّي : بحر العراق والشام، والحاجز من الأرض. قال ابن عطية : مختاراً لهذا القول في الحاجز : هو ما جعل الله بينهما من حواجز الأرض وموانعها، على رقتها في بعض المواضع، ولطافتها التي لولا قدرته لبلع الملح العذب. وكان ابن عطية قد قدم أن البحرين : العذب بجملته، والماء الأجاج بجملته ؛ ولما كانت كل واحدة منه عظيمة مستقلة، تكرر فيها العامل في قوله :﴿وَجَعَلَ﴾، فكانت من عطف الجمل المستقل كل واحدة منها بالامتنان، ولم يشرك في عامل واحد فيكون من عطف المفردات. ولأبي عبد الله الرازي في ذكر هذه الامتنانات الأربع كلام من علم الطبيعة، والحكماء على زعمه، خارج عن مذاهب العرب، يوقف عليه في كتابه. والمضطر : اسم مفعول، وهو الذي أحوجه مرض أو فقر أو حادث من حوادث الدهر إلى الالتجاء إلى الله والتضرع إليه، فيدعوه لكشف ما اعتراه من ذلك وإزالته عنه. وقال ابن عباس : هو المجهود. وقال السدّي : هو الذي لا حول ولا قوة له. وقيل : هو المذنب إذا استغفر، وإجابته إياه مقرونة بمشيئته تعالى، فليس كل مضطر دعا يجيبه الله في كشف ما به. وقال الزمخشري : الإجابة موقوفة على أن يكون المدعو به مصلحة، ولهذا لا يحسن الدعاء إلا شارطاً فيه المصلحة. انتهى، وهو على طريق الاعتزال في مراعاة المصلحة من الله تعالى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
﴿وَيَكْشِفُ السُّواءَ﴾ : هو كل ما يسوء، وهو عام في كل ضر انتقل من حالة المضطر، وهو خاص إليّ أعم، وهو ما يسوء، سواء كان المكشوف عنه في حالة الاضطرار أو فيما دونها. وخلفاء : أي الأمم السالفة، أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو خلفاء النبي صلى الله عليه وسلّم من بعده، أو خلفاء الكفار في أرضهم، أو الملك والتسلط، أقوال. وقرأ الحسن في رواية : ونجعلكم بنون المتكلم، كأنه استئناف إخبار ووعد، كما قال تعالى :﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الارْضِ﴾.
وقوله :﴿وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ الارْضِ﴾ : انتقال من حالة المضطر إلى رتبة مغايرة لحالة الاضطرار، وهي حالة الخلافة، فهما ظرفان. وكم رأينا في الدنيا ممن بلغ حالة الاضطرار ثم صار ملكاً متسلطاً. وقرأ الجمهور : تذكرون، بتاء الخطاب ؛ والحسن، والأعمش، وأبو عمرو : بياء الغيبة، والذال في القراءتين مشددة لإدغام التاء فيها. وقرأ أبو حيوة : تتذكرون، بتاءين. وظلمة البر هي ظلمة الليل، وهي الحقيقة، وتنطلق مجازاً على الجهل وعلى انبهام الأمر فيقال : أظلم عليّ الأمر. وقال الشاعر :
تجلت عمايات الرجال عن الصبا
أي جهالات الصبا وهداية البر تكون بالعلامات، وهداية البحر بالنجوم.
﴿وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَـاحَ بُشْرَا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِا﴾ : تقدم تفسير نظير هذه الجملة. وقرىء : عما تشركون، بتاء الخطاب. ﴿أَمَّن يَبْدَؤُا الْخَلْقَ﴾ : الظاهر أن الخلق هو المخلوق، وبدؤه : اختراعه وإنشاؤه. ويظهر أن المقصود هو من يعيده الله في الآخرة من الإنس والجن والملك، لا عموم المخلوق. وقال ابن عطية : والمقصود بنو آدم من حيث ذكر الإعادة، والإعادة البعث من القبور، ويحتمل أن يريد بالخلق مصدر خلق، ويكون يبدأ ويعيد استعارة للإتقان والإحسان، كما تقول : فلان يبدىء ويعيد في أمركذا إذا كان يتقنه. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف قال لهم أمن يبدأ الخلق ثم يعيده وهم منكرون الإعادة ؟ قلت : قد أنعم عليهم بالتمكين من المعرفة والإقرار، فلم يبق لهم عذر في الإنكار. انتهى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
ولما كان إيجاد بني آدم إنعاماً إليهم وإحساناً، ولا تتم النعمة إلا بالرزق قال :﴿وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ﴾ بالمطر، ﴿وَالارْضِ﴾ بالنبات ؟ ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَـانَكُمْ﴾ : أي أحضروا حجتكم ودليلكم على ما تدعون من إنكار شيء مما تقدم تقريره ﴿إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ﴾ في أن مع الله إلهاً آخر. فأين دليلكم عليه ؟ وهذا راجع إلى ما تقدم من جميع الاستفهام الذي جيء به على سبيل التقرير، وناسب ختم كل استفهام بما تقدمه.
٩٠