محذوف، وهو الناصب ليوم ينفخ، والمعنى :﴿وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِ﴾، فكان كيت وكيت، أثاب الله المحسنين، وعاقب المجرمين، ثم قال :﴿صُنْعَ اللَّهِ﴾، يريد به الإثابة والمعاقبة، وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب، حيث قال :﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ ﴾، يعني ؛ أن مقابلته الحسنة بالثواب، والسيئة بالعقاب، من جملة أحكامه للأشياء وإتقانه لها واجرائه لها على قضايا الحكمة أنه عالم بما يفعل العباد، وبما يستوجبون عليه، فيكافئهم على حسب ذلك. ثم لخص ذلك بقوله :﴿مَن جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ﴾، إلى آخر الآيتين. فانظر إلى بلاغة هذا الكلام، وحسن نظمه وترتيبه، ومكانة إضماده، ورصانة تفسيره، وأخذ بعضه بحجزة بعض، كأنما أفرغ إفراغاً واحداً، وما لأمر أعجز القوى وأخرس الشقاشق، ونحو هذا المصدر، إذا جاء عقيب كلام، جاء كالشاهد لصحته، والمنادى على سداده، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما كان. ألا ترى إلى قوله :﴿صُنْعَ اللَّهِ﴾، و﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾، و﴿وَعَدَ اللَّهُ﴾، و﴿عَبْدُ اللَّهِ﴾ ؟ بعد ما رسمها بإضافتها إليه تسمية التعظيم، كيف تلاها بقوله :﴿الَّذِى أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾، ﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ ؟ انتهى. وهذا الذي ذكر من شقاشقه وتكثيره في الكلام، واحتياله في إدارة ألفاظ القرآن لما عليه، من مذاهب المعتزلة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
والذي يظهر أن صنع الله مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة، وهي جملة الحال، أي صنع الله بها ذلك، وهو قلعها من الأرض، ومرّها مرًّا مثل مر السحاب. وأما قوله : إلا أن مؤكده محذوف، وهو الناصب ليوم ينفخ إلى قوله صنع الله، يريد به الإثابة والمعاقبة، فذلك لا يصح، لأن المصدر المؤكد لمضمون الجملة لا يجوز حذف جملته، لأنه منصوب بفعل من لفظه، فيجتمع حذف الفعل الناصب وحذف الجملة التي أكد مضمونها بالمصدر، وذلك حذف كثير مخل. ومن تتبع مساق هذه المصادر التي تؤكد مضمون الجملة، وجد الجمل مصرحاً بها، لم يرد الحذف في شيء منها، إذ الأصل أن لا يحذف المؤكد، إذ الحذف ينافي التوكيد، لأنه من حيث أكد معتني به، ومن حيث حذف غير معتني به. وقيل : انتصب صنع الله على الإغراء بمعنى، انظروا صنع الله. وقرأ العربيان، وابن كثير : يفعلون بالياء ؛ وباقي السبعة بتاء الخطاب.
ولما ذكر علامات القيامة، ذكر أحوال المكلفين بعد قيام الساعة.
: الإيمان. وقال ابن عباس، والنخعي، وقتادة : هي لا إله إلا الله، ورتب على مجيء المكلف بالحسنة شيئين : أحدهما : أنه له خير منها، ويظهر أن خيراً ليس أفعل تفضيل، ومن لابتداء الغاية، أي له خير من الخيور مبدؤه ونشؤه منها، أي من جهة هذه الحسنة، والخير هنا : الثواب. وهذا قول الحسن، وابن جريج، وعكرمة. قال عكرمة : ليس شيء خيراً من لا إله إلا الله، يريد أنها ليست أفعل التفضيل. وقيل : أفعل التفضيل. فقال الزمخشري :﴿بِالْحَسَنَةِ فَلَه خَيْرٌ مِّنْهَا﴾، يريد الإضعاف، وأن العمل ينقضي والثواب يدوم، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد. انتهى. وقوله : وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد، تركيب مختلف فيه، فبعض العلماء منعه، والصحيح جوازه. وقال ابن عطية : يحتمل أن يكون للتفضيل، ويكون في قوله :﴿مِّنْهَآ﴾، حذف مضاف تقديره : خير من قدرها واستحقاقها، بمعنى : أن الله تعالى تفضل عليه فوق ما تستحق حسنته. قال ابن زيد : يعطى بالواحدة عشراً، والداعية إلى هذا التقدير أن الحسنة لا يتصور بينها وبين الثواب تفضيل. انتهى. وقيل : ثواب المعرفة الحاصلة في الدنيا هي المعرفة الضرورية الحاصلة في الآخرة، ولذة النظر إلى وجهه الكريم. وقد دلت الدلائل على أن أشرف السعادات هي هذه اللذة، ولو لم تحمل الآية على ذلك، لزم أن يكون الأكل والشرب خيراً من معرفة الله تعالى، وذلك لا يكون.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٨٠
وقرأ الكوفيون :﴿مِّن فَزَعٍ﴾، بالتنوين، ﴿وَيَوْمَـاِذٍ﴾، منصوب على الظرف معمول لقوله :﴿ءَامِنُونَ﴾، أو لفزع. ويدل على أنه معمول له قراءة من
١٠١