وقال الزمخشري :﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾، معطوف على حور عين. أي قرناهم بالحور العين ؛ وبالذين آمنوا : أي بالرفقاء والجلساء منهم، كقوله تعالى :﴿إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَـابِلِينَ﴾، فيتمتعون تارة بملاعبة الحور، وتارة بمؤانسة الإخوان المؤمنين، وأتبعناهم ذرياتهم. ثم ذكر حديث ابن عباس، ثم قال : فيجمع الله لهم أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم، وبمزاوجة الحور العين، وبمؤانسة الإخوان المؤمنين، وباجتماع أولادهم بهم ونسلهم. ثم قال : بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم : أي بسبب إيمان عظيم رفيع المحل، وهو إيمان الآباء، ألحقنا بدرجاتهم ذريتهم، وإن كانوا لا يستأهلونها، تفضلاً عليهم وعلى آبائهم، لنتم سرورهم ونكمل نعيمهم. فإن قلت : ما معنى تنكير الإيمان ؟ قلت : معناه الدلالة على أنه إيمان خاص عظيم المنزلة. ويجوز أن يراد إيمان الذرية الداني المحل، كأنه قال : بشيء من الإيمان لا يؤهلهم لدرجة الآباء ألحقناهم بهم. انتهى.
ولا يتخيل أحد أن ﴿وَالَّذِينَ﴾ معطوف على ﴿بِحُورٍ عِينٍ﴾ غير هذا الرجل، وهو تخيل أعجميّ مخالف لفهم العربي القح ابن عباس وغيره. والأحسن من هذه الأقوال قول ابن عباس، ويعضده الحديث الذي رواه، لأن الآيات كلها في صفة إحسان الله تعالى إلى هل الجنة. وذكر من جملة إحسانه أنه يرعى المحسن في المسيء. ولفظة ﴿أَلْحَقْنَا﴾ تقتضي أن للملحق بعض التقصير في الأعمال. وقرأ أبو عمرو : وأتبعناهم ؛ وباقي السبعة : واتبعتهم ؛ وأبو عمرو : وذرياتهم جمعاً نصباً ؛ وابن عامر : جمعاً رفعاً ؛ وباقي السبعة : مفرداً ؛ وابن جبير : وأتبعناهم ذريتهم، بالمدّ والهمز.
وقرأ الجمهور :﴿أَلَتْنَـاهُم﴾، بفتح اللام، من ألات ؛ والحسن وابن كثير : بكسرها ؛ وابن هرمز : آلتناهم، بالمد من آلت، على وزن أفعل ؛ وابن مسعود وأبي : لتناهم من لات، وهي قراءة طلحة والأعمش ؛ ورويت عن شبل وابن كثير، وعن طلحة والأعمش أيضاً : لتناهم بفتح اللام. قال سهل : لا يجوز فتح اللام من غير ألف بحال، وأنكر أيضاً آلتناهم بالمد، وقال : لا يروى عن أحد، ولا يدل عليها تفسير ولا عربية، وليس كما ذكر، بل قد نقل أهل اللغة آلت بالمد، كما قرأ ابن هرمز. وقرىء : وما ولتناهم، ذكره ابن هارون. قال ابن خالويه : فيكون هنا الحرف من لات يليت، وولت يلت، وألت يألت، وألات يليت، ويؤلت، وكلها بمعنى نقص. ويقال : ألت بمعنى غلظ. وقام رجل إلى عمر رضي الله عنه فوعظه، فقال رجل : لا تألت أمير المؤمنين، أي لا تغلظ عليه. والظاهر أن الضمير في ألتناهم عائد على المؤمنين. والمعنى : أنه تعالى يلحق المقصر بالمحسن، ولا ينقص المحسن من أجر شيئاً، وهذا تأويل ابن عباس وابن جبير والجمهور. وقال أبي زيد : الضمير عائد على الأبناء. ﴿مِّنْ عَمَلِهِم﴾ : أي الحسن والقبيح، ويحسن هذا الاحتمال قوله :﴿كُلُّ امْرِى بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ : أي مرتهن وفيه، ﴿وَأَمْدَدْنَـاهُم﴾ : أي يسرنا لهم شيئاً فشيئاً حتى يكر ولا ينقطع. ﴿يَتَنَـازَعُونَ فِيهَا﴾ أي يتعاطون، قال الأخطل :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٤
نازعته طيب الراح الشمول وقدصاح الدجاج وحانت وقعة الساري
أو يتنازعون : يتجاذبون تجاذب ملاعبة، إذ أهل الدنيا لهم في ذلك لذة، وكذلك في الجنة. وقرأ الجمهور :﴿لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ﴾، برفعهما ؛ وابن كثير، وأبو عمرو : بفتحهما، واللغو : السقط من الكلام، كما يجري
١٤٩
بين شراب الخمر في الدنيا. والتأثيم : الإثم الذي يلحق شارب الخمر في الدنيا. ﴿غِلْمَانٌ لَّهُمْ﴾ : أي مماليك. ﴿مَّكْنُونٌ﴾ : أي في الصدف، لم تنله الأيدي، قاله ابن جبير، وهو إذ ذاك رطب، فهو أحسن وأصفى. ويجوز أن يراد بمكنون : مخزون، لأنه لا يخزن إلا الغالي الثمن. والظاهر أن التساؤل هو في الجنة، إذ هذه كلها معاطيف بعضها على بعض، أي يتساءلون عن أحوالهم وما نال كل واحد منهم ؛ ويدل عليه ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ : أي بهذا النعيم الذي نحن فيه. وقال ابن عباس : تساؤلهم إذا بعثوا في النفخة الثانية، حكاه الطبري عنه. ﴿مُشْفِقِينَ﴾ : رقيقي القلوب، خاشعين لله. وقرأ أبو حيوة : ووقانا بتشديد القاف، والسموم هنا النار ؛ وقال الحسن : اسم من أسماء جهنم. ﴿مِن قَبْلُ﴾ : أي من قبل لقاء الله والمصير إليه. ﴿نَدْعُوهُ﴾ نعبده ونسأله الوقاية من عذابه، ﴿إِنَّه هُوَ الْبَرُّ﴾ : المحسن، ﴿الرَّجِيمِ﴾ : الكثير الرحمة، إذا عبد أثاب، وإذا سئل أجاب. أو ﴿نَدْعُوهُ﴾ من الدعاء. وقرأ الحسن وأبو جعفر ونافع والكسائي : أنه بفتح الهمزة، أي لأنه، وباقي السبعة : إنه بكسر الهمزة، وهي قراءة الأعرج وجماعة، وفيها معنى التعليل.


الصفحة التالية
Icon