سورة والطور من أم فاستفهام وليس بعطف. تقوله : اختلقه من قبل نفسه، كما قال :﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاقَاوِيلِ﴾. وقال ابن عطية : تقوله معناه : قال عن الغير أنه قاله، فهو عبارة عن كذب مخصوص. انتهى. ﴿بَل لا يُؤْمِنُونَ﴾ : أي لكفرهم وعنادهم، ثم عجزهم بقوله تعالى :﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِا إِن كَانُوا صَادِقِينَ﴾ : أي مماثل للقرآن في نظمه ورصفه من البلاغة، وصحة المعاني والأخبار بقصص الأمم السالفة والمغيبات، والحكم إن كانوا صادقين في أنه تقوله، فليقولوا هم مثله، إذ هو واحد منهم، فإن كانوا صادقين فليكونوا مثله في التقوّل. فقرأ الجحدري وأبو السمّال :﴿بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ﴾، على الإضافة : أي بحديث رجل مثل الرسول في كونه أمياً لم يصحب أهل العلم ولا رحل عن بلده، أو مثله في كونه واحداً منهم، فلا يجوز أن يكون مثله في العرب فصاحة، فليأت بمثل ما أتى به، ولن يقدر على ذلك أبداً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٤
﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ﴾ : أي من غير شيء حي كالجماد، فهم لا يؤمرون ولا ينهون، كما هي الجمادات عليه، قاله الطبري. وقيل :﴿مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ﴾ : أي من غير علة ولا لغاية عقاب وثواب، فهم لذلك لا يسمعون ولا يتشرعون، وهذا كما تقول : فعلت كذا وكذا من غير علة : أي لغير علة، فمن للسبب، وفي القول الأول لابتداء الغاية. وقال الزمخشري :﴿أَمْ خَلَقُوا ﴾ : أم أحدثوا ؟ وقدروا التقدير الذي عليه فطرتهم ؛ ﴿مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ﴾ : من غير مقدر، أم هم الذين خلقوا أنفسهم حيث لا يعبدون الخالق ؟ ﴿بَل لا يُوقِنُونَ﴾ : أي إذا سئلوا : من خلقكم وخلق السموات والأرض ؟ قالوا : الله، وهم شاكون فيما يقولون لا يوقنون. أم خلقوا من غير رب ولا خالق ؟ أي أم أحدثوا وبرزوا للوجود من غير إله يبرزهم وينشئهم ؟ ﴿أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ لأنفسهم، فلا يعبدون الله، ولا يأتمرون بأوامره، ولا ينتهون عن مناهيه. والقسمان باطلان، وهم يعترفون بذلك، فدل على بطلانهم. وقال ابن عطية : ثم وقفهم على جهة التوبيخ على أنفسهم، أهم الذين خلقوا الأشياء فهم لذلك يتكبرون ؟ ثم خصص من تلك الأشياء السموات والأرض لعظمها وشرفها في المخلوقات، ثم حكم عليهم بأنهم لا يوقنون ولا ينظرون نظراً يؤديهم إلى اليقين.
﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَآاِنُ رَبِّكَ﴾، قال الزمخشري : خزائن الرزق، حتى يرزقوا النبوة من شاءوا، أو : أعندهم خزائن علمه حتى يختاروا لها من اختياره حكمة ومصلحة ؟ ﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَآاِنُ﴾ : الأرباب الغالبون حتى يدبرون أمر الربوبية ويبنوا الأمور على إرادتهم. وقال ابن عطية : أم عندهم الاستغناء عن الله تعالى في جميع الأمور، لأن المال والصحة والقوة وغير ذلك من الأشياء كلها من خزائن الله تعالى. وقال الزهراوي : وقيل يريد بالخزائن : العلم، وهذا قول حسن إذا تؤمل وبسط. وقال الرماني : خزائنه تعالى : مقدوراته. انتهى. والمسيطر، قال ابن عباس : المسلط القاهر. وقرأ الجمهور : المصيطرون بالصاد ؛ وهشام وقنبل وحفص : بخلاف عنه بالسين، وهو الأصل ؛ ومن أبدلها صاداً، فلأجل حرف الاستعلاء وهو الطاء، وأشم خلق عن حمزة، وخلاد عنه بخلاف عنه الزاي.
﴿أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ﴾ منصوب إلى السماء، ﴿يَسْتَمِعُونَ فِيهِ﴾ : أي عليه أو منه، إذ حروف الجر قد يسد بعضها مسد بعض، وقدره الزمخشري : صاعدين فيه، ومفعول يستمعون محذوف تقديره : الخبر بصحة ما يدعونه، وقدره الزمخشري : ما يوحى إلى الملائكة من علم الغيب حتى يعلموا ما هو كائن من تقدم هلاكه على هلاكهم وظفرهم في العاقبة دونه كما يزعمون. ﴿بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ : أي بحجة واضحة بصدق استماعهم مستمعهم، ﴿أَمْ تَسْاَلُهُمْ أَجْرًا﴾ على الإيمان بالله وتوحيده واتباع شرعه، ﴿فَهُم﴾ من ذلك المغرم الثقيل اللام ﴿مُّثْقَلُونَ﴾، فاقتضى زهدهم في اتباعك.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٤
﴿أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ﴾ : أي اللوح المحفوظ، ﴿فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ : أي يثبتون ذلك للناس شرع، وذلك عبادة الأوثان وتسييب السوائب وغير ذلك من سيرهم. وقيل : المعنى فهم يعلمون متى يموت محمد صلى الله عليه وسلّم
١٥٢
الذي يتربصون به، ويكتبون بمعنى : يحكمون. وقال ابن عباس : يعني أم عندهم اللوح المحفوظ، فهم يكتبون ما فيه ويخبرون. ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ﴾ : أي بك وبشرعك، وهو كيدهم به في دار الندوة، ﴿فَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ : أي فهم، وأبرز الظاهر تنبيهاً على العلة، أو الذين كفروا عام فيندرجون فيه، ﴿هُمُ الْمَكِيدُونَ﴾ : أي الذين يعود عليهم وبال كيدهم، ويحيق بهم مكرهم، وذلك أنهم قتلوا يوم بدر، وسمى غلبتهم كيداً، إذ كانت عقوبة الكيد. ﴿أَمْ لَهُمْ إله غَيْرُ اللَّهِ﴾ يعصمهم ويدفع عنهم في صدور إهلاكهم، ثم نزه تعالى نفسه، ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ به من الأصنام والأوثان.
﴿وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَآءِ﴾ : كانت قريش قد اقترحت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فيما اقترحت من قولهم : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً، فأخبر تعالى أنهم لو رأوا ذلك عياناً، حسب اقتراحهم، لبلغ بهم عتوهم وجهلهم أن يغالطوا أنفسهم فيما عاينوه، وقالوا : هو سحاب مركوم، تراكم بعضه على بعض ممطرنا، وليس بكسف ساقط للعذاب. ﴿فَذَرْهُمْ﴾ : أمر موادعة منسوخ بآية السيف. وقرأ الجمهور :﴿حَتَّى يُلَاقُوا ﴾ ؛ وأبو حيوة : حتى يلقوا، مضارع لقي، ﴿يَوْمَهُمُ﴾ : أي يوم موتهم واحداً واحداً، والصعق : العذاب، أو يوم بدر، لأنهم عذبوا فيه، أو يوم القيامة، أقوال، ثالثها قول الجمهور، لأن صعقته تعم جميع الخلائق. وقرأ الجمهور : يصعقون، بفتح الياء. وقرأ عاصم وابن عامر وزيد بن عليّ وأهل مكة : في قول شبل بن عبادة، وفتحها أهل مكة، كالجمهور في قول إسماعيل. وقرأ السلمي : بضم الياء وكسر العين، من أصعق رباعياً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٤
﴿وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ﴾ : أي لهؤلاء الظلمة، ﴿عَذَابًا دُونَ ذَالِكَ﴾ : أي دون يوم القيامة وقبله، وهو يوم بدر والفتح، قاله ابن عباس وغيره. وقال البراء بن عازب وابن عباس أيضاً : هو عذاب القبر. وقال الحسن وابن زيد : مصائبهم في الدنيا. وقال مجاهد : هو الجوع والقحط، سبع سنين. ﴿فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾ : عبارة عن الحفظ والكلاءة، وجمع لأنه أضيف إلى ضمير الجماعة، وحين كان الضمير مفرداً، أفرد العين، قال تعالى :﴿وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِى ﴾. وقرأ أبو السمال : بأعيننا، بنون واحدة مشدّدة. ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾، قال أبو الأحوص عوف بن مالك : هو التسبيح المعروف، وهو قول سبحان الله عند كل قيام. وقال عطاء : حين تقوم من كل مجلس، وهو قول ابن جبير ومجاهد. وقال ابن عباس : حين تقوم من منامك. وقيل : هو صلاة التطوع. وقيل : الفريضة. وقال الضحاك : حين تقوم إلى الصلاة تقول : سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدّك، ولا إله غيرك. وقال زيد بن أسلم : حين تقوم من القائلة والتسبيح، إذ ذاك هو صلاة الظهر. وقال ابن السائب : اذكر الله بلسانك حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة. ﴿وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ﴾ : قبل صلاة المغرب والعشاء. ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ : صلاة الصبح. وعن عمرو وعليّ وأبي هريرة والحسن : إنها النوافل، ﴿وَإِدْبَارَ النُّجُومِ﴾ : ركعتا الفجر. وقرأ سالم بن أبي الجعد والمنهال بن عمرو ويعقوب : وأدبار، بفتح الهمزة، بمعنى : وأعقاب النجوم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٤٤


الصفحة التالية
Icon