جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٣
﴿عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾ : أي عند السدرة، قيل : ويحتمل عند النزلة. قال الحسن : هي الجنة التي وعدها الله المؤمنين. وقال ابن عباس : بخلاف عنه ؛ وقتادة : هي جنة تأوي إليها أرواح الشهداء، وليست بالتي وعد المتقون جنة النعيم. وقيل : جنة : مأوى الملائكة. وقرأ علي وأبو الدرداء وأبو هريرة وابن الزبير وأنس وزر ومحمد بن كعب وقتادة : جنه، بهاء الضمير، وجن فعل ماض، والهاء ضمير النبي صلى الله عليه وسلّم، أي عندها ستره إيواء الله تعالى وجميل صنعه. وقيل : المعنى ضمه المبيت والليل. وقيل : جنه بظلاله ودخل فيه. وردّت عائشة وصحابة معها هذه القراءة
١٥٩
وقالوا : أجن الله من قرأها ؛ وإذا كانت قراءة قرأها أكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، فليس لأحد ردّها. وقيل : إن عائشة رضي الله تعالى عنها أجازتها. وقراءة الجمهور :﴿جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾، كقوله في آية أخرى :﴿فَلَهُمْ جَنَّـاتُ الْمَأْوَى نُزُ﴾.
﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ : فيه بإبهام الموصول وصلته تعظيم وتكثير للغاشي الذي يغشاه، إذ ذاك أشياء لا يعلم وصفها إلا الله تعالى. وقيل : يغشاها الجم الغفير من الملائكة، يعبدون الله عندها. وقيل : ما يغشى من قدرة الله تعالى، وأنواع الصفات التي يخترعها لها. وقال ابن مسعود وأنس ومسروق ومجاهد وإبراهيم : ذلك جراد من ذهب كان يغشاها. وقال مجاهد : ذلك تبدل أغصانها درّاً وياقوتاً. وروي في الحديث :"رأيت على كل ورقة من ورقها ملكاً قائماً يسبح الله تعالى". وأيضاً : يغشاها رفرف أخضر، وأيضاً : تغشاها ألوان لا أدري ما هي. وعن أبي هريرة : يغشاها نور الخلاق. وعن الحسن : غشيها نور رب العزة فاستنارت. وعن ابن عباس : غشيها رب العزة، أي أمره، كما جاء في صحيح مسلم مرفوعاً، فلما غشيها من أمر الله ما غشي، ونظير هذا الإبهام للتعظيم :﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِا مَآ أَوْحَى ﴾، ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى * فَغَشَّـاهَا مَا غَشَّى ﴾.
﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ﴾، قال ابن عباس : ما مال هكذا ولا هكذا. وقال الزمخشري : أي أثبت ما رآه إثباتاً مستيقناً صحيحاً من غير أن يزيغ بصره أو يتجاوزه، إذ ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها ومكن منها، ﴿وَمَا طَغَى ﴾ : وما جاوز ما أمر برؤيته. انتهى. وقال غيره :﴿وَمَا طَغَى ﴾ : ولا تجاوز المرئي إلى غيره، بل وقع عليه وقوعاً صحيحاً، وهذا تحقيق للأمر، ونفي للريب عنه. ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ ءَايَـاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾، قيل : الكبرى مفعول رأى، أي رأى الآيات الكبرى والعظمى التي هي بعض آيات ربه، أي حين رقي إلى السماء رأى عجائب الملكوت، وتلك بعض آيات الله. وقيل :﴿مِنْ ءَايَـاتِ﴾ هو في موضع المفعول، والكبرى صفة لآياته ربه، ومثل هذا الجمع يوصف بوصف الواحدة، وحسن ذلك هنا كونها فاصلة، كما في قوله :﴿لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَـاتِنَا الْكُبْرَى﴾، عند من جعلها صفة لآياتنا. وقال ابن عباس وابن مسعود : أي رفرف أخضر قد سد الأفق. وقال ابن زيد : رأي جبريل في الصورة التي هو بها في السماء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٣
﴿أَفَرَءَيْتُمُ﴾ : خطاب لقريش. ولما قرر الرسالة أولاً، وأتبعه من ذكر عظمة الله وقدرته الباهرة بذكر التوحيد والمنع عن الإشراك بالله تعالى، وقفهم على حقارة معبوداتهم، وهي الأوثان، وأنها ليست لها قدرة. واللات : صنم كانت العرب تعظمه. قال قتادة : كان بالطائف. وقال أبو عبيدة وغيره : كان في الكعبة. وقال ابن زيد : كان بنخلة عند سوق عكاظ. قال ابن عطية : وقول قتادة أرجح، ويؤيده قوله الشاعر :
وفرت ثقيف إلى لاتهابمنقلب الخائب الخاسر
انتهى.
ويمكن الجمع بأن تكون أصناماً سميت باسم اللات فأخبر كل عن صنم بمكانه. والتاء في اللات قيل أصلية، لام الكلمة كالباء من باب، وألفه منقلبة فيما يظهر من ياء، لأن مادة ليت موجودة. فإن وجدت مادة من ل وت، جاز أن تكون منقلبة من واو. وقيل : التاء للتأنيث، ووزنها فعلة من لوى، قيل : لأنهم كانوا يلوون عليها ويعكفون للعبادة، أو يلتوون عليها : أي يطوفون، حذفت لامها. وقرأ الجمهور : اللات خفيفة التاء ؛ وابن عباس ومجاهد ومنصور بن المعتمر وأبو صالح وطلحة وأبو الجوزاء ويعقوب وابن كثير في رواية : بشدها. قال ابن عباس : كان هذا رجلاً بسوق عكاظ، يلت السمن والسويق عند صخرة. وقيل : كان ذلك الرجل من بهز، يلت السويق للحجاج على حجر، فلما مات، عبدوا الحجر الذي كان عنده، إجلالاً لذلك الرجل، وسموه باسمه. وقيل : سمي برجل كان يلت عنده السمن بالدب ويطمعه الحجاج. وعن مجاهد : كان رجل يلت السويق بالطائف، وكانوا
١٦٠


الصفحة التالية
Icon