جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٣
﴿وَأَنَّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ : الظاهر حقيقة الضحك والبكاء. قال مجاهد : أضحك أهل الجنة، وأبكى أهل النار. وقيل : كنى بالضحك عن السرور، وبالبكاء عن الحزن. وقيل : أضحك الأرض بالنبات، وأبكى السماء بالمطر. وقيل : أحيا بالإيمان، وأبكى بالكفر. وقال الزمخشري :﴿أَضْحَكَ وَأَبْكَى ﴾ : خلق قوتي الضحك والبكاء. انتهى، وفيه دسيسة الاعتزال، إذ أفعال العباد من الضحك والبكاء وغيرهما مخلوقة للعبد عندهم، لا لله تعالى، فلذلك قال : خلق قوتي الضحك والكباء. ﴿وَأَنَّه خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ﴾ المصطحبين من رجل وامرأة وغيرهما من الحيوان، ﴿مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾ : أي إذا تدفق، وهو المني. يقال : أمنى الرجل ومنى. وقال الأخفش : إذا يمنى : أي يخلق ويقدر من مني الماني، أي قدر المقدر. ﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الاخْرَى ﴾ : أي إعادة الأجسام : أي الحشر بعد البلى، وجاء بلفظ عليه المشعرة بالتحتم لوجود الشيء لما كانت هذه النشأة ينكرها الكفار بولغ بقوله :﴿عَلَيْهِ﴾ بوجودها لا محالة، وكأنه تعالى أوجب ذلك على نفسه، وتقدم الخلاف في قراءة النشأة في سورة العنكبوت. وقال الزمخشري : وقال ﴿عَلَيْهِ﴾، لأنها واجبة عليه في الحكمة ليجازي على الإحسان والإساءة. انتهى، وهو على طريق الاعتزال.
﴿وَأَنَّه هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ﴾ : أي أكسب القنية، يقال : قنيت المال : أي كسبته، وأقنيته إياه : أي أكسبته إياه، ولم يذكر متعلق أغنى وأقنى لأن المقصود نسبة هذين الفعلين له تعالى. وقد تكلم المفسرون على ذلك فقالوا اثني عشر قولاً، كقولهم :
١٦٨
أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه، وكل قول منها لا دليل على تعينه، فينبغي أن تجعل أمثلة. والشعرى التي عبدت هي العبور. وقال السدّي : كانت تعبدها حمير وخزاعة. وقال غيره : أول من عبدها أبو كبشة، أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلّم، من قبل أمهاته، وكان اسمه عبد الشعرى، ولذلك كان مشركو قريش يسمونه عليه السلام : ابن أبي كبشة، ومن ذلك كلام أبي سفيان : لقد أمر أمر ابن أبي كبشة. ومن العرب من كان يعظمها ولا يعبدها، ويعتقد تأثيرها في العالم، وأنها من الكواكب الناطقة، يزعم ذلك المنجمون ويتكلمون على المغيبات عند طلوعها، وهي تقطع السماء طولاً، والنجوم تقطعها عرضاً. وقال مجاهد وابن زيد : هو مرزم الجوزاء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٣
﴿وَأَنَّهُا أَهْلَكَ عَادًا الاولَى ﴾ : جاء بين أن وخبرها لفظ هو، وذلك في قوله :﴿وَأَنَّه هُوَ أَضْحَكَ﴾، ﴿وَأَنَّه هُوَ أَمَاتَ﴾، ﴿وَأَنَّه هُوَ أَغْنَى ﴾، ﴿وَأَنَّه هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴾. ففي الثلاثة الأول، لما كان قد يدعي ذلك بعض الناس، كقول نمروذ :﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى﴾، احتيج إلى تأكيد في أن ذلك إنما هو لله لا غيره، فهو الذي يضحك ويبكي، وهو المميت المحيي، والمغني، والمقني حقيقة، وإن ادّعى ذلك أحد فلا حقيقة له. وأما ﴿وَأَنَّه هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴾، فلأنها لما عبدت من دون الله تعالى، نص على أنه تعالى هو ربها وموجدها. ولما كان خلق الزوجين، والإنشاء الآخر، وإهلاك عاد ومن ذكر، لا يمكن أن يدعي ذلك أحد، لم يحتج إلى تأكيد ولا تنصيص أنه تعالى هو فاعل ذلك. وعاد الأولى هم قوم هود، وعاد الأخرى إرم. وقيل : الأولى : القدماء لأنهم أول الأمم هلاكاً بعد قوم نوح عليه السلام. وقيل : الأولى : المتقدّمون في الدنيا الأشراف، قاله الزمخشري. وقال ابن زيد والجمهور : لأنها في وجه الدهر وقديمه، فهي أولى بالإضافة إلى الأمم المتأخرة. وقال الطبري : وصفت بالأولى، لأن عاداً الآخرة قبيلة كانت بمكة مع العماليق، وهو بنو لقيم بن هزال. وقال المبرد : عاد الأخيرة هي ثمود، والدليل عليه قول زهير :
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
ذكره الزهراوي. وقيل : عاد الأخيرة : الجبارون. وقيل : قبل الأولى، لأنهم كانوا من قبل ثمود. وقيل : ثمود من قبل عاد. وقيل : عاد الأولى : هو عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح ؛ وعاد الثانية : من ولد عاد الأولى. وقرأ الجمهور :﴿عَادًا الاولَى ﴾، بتنوين عاداً وكسره لالتقائه ساكناً مع سكون لام الأولى وتحقيق الهمزة بعد اللام. وقرأ قوم كذلك، غير أنهم نقلوا حركة الهمزة إلى اللام وحذفوا الهمزة. وقرأ نافع وأبو عمرو : بإدغام التنوين في اللام المنقول إليها حركة الهمزة المحذوفة، وعاد هذه القراءة للمازني والمبرد. وقالت العرب في الابتداء بعد النقل : الحمر ولحمر، فهذه القراءة جاءت على الحمر، فلا عيب فيها، وهمز قالون عين الأولى بدل الواو الساكنة. ولما لم يكن بين الضمة والواو حائل، تخيل أن الضمة على الواو فهمزها، كما قال :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٥٣
أحب المؤقدين إليّ مؤسى


الصفحة التالية
Icon