﴿تَنزِعُ النَّاسَ﴾ : يجوز أن يكون صفة للريح، وأن يكون حالاً منها، لأنها وصفت فقربت من المعرفة. ويحتمل أن يكون تنزع مستأنفاً، وجاء الظاهر مكان المضمر ليشمل ذكورهم وإناثهم، إذ لو عاد بضمير المذكورين، لتوهم أنه خاص بهم، أي تقلعهم من أماكنهم. قال مجاهد : يلقى الرجل على رأسه، فتفتت رأسه وعنقه وما يلي ذلك من بدنه. وقيل : كانوا يصطفون آخذي بعضهم بأيدي بعض، ويدخلون في الشعاب، ويحفرون الحفر فيندسون فيها، فتنزعهم وتدق رقابهم. والجملة التشبيهية حال من الناس، وهي حال مقدرة. وقال الطبري : في الكلام حذف تقديره : فتتركهم. ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ﴾ : فالكاف في موضع نصب بالمحذوف شبههم، بأعجاز النخل المنقعر، إذ تساقطوا على الأرض أمواتاً وهم جثث عظام طوال. والأعجاز : الأصول بلا فروع قد انقلعت من مغارسها. وقيل : كانت الريح تقطع رؤوسهم، فتبقى أجساداً بلا رؤوس، فأشبهت أعجاز النخل التي انقلعت من مغرسها. وقرأ أبو نهيك : أعجز على وزن أفعل، نحو ضبع وأضبع. والنخل اسم جنس يذكر ويؤنث، وإنما ذكر هنا لمناسبة الفواصل، وأنث في قوله :﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ في الحاقة لمناسبة الفواصل أيضاً. وقرأ أبو السمال، فيما ذكر الهذلي في كتابه الكامل، وأبو عمرو والداني : برفعهما. فأبشر : مبتدأ، وواحد صفته، والخبر نتبعه. ونقل ابن خالويه، وصاحب اللوامح، وابن عطية رفع أبشر ونصب واحداً عن أبي السمال. قال صاحب اللوامح : فأما رفع أبشر فبإضمار الخبر بتقدير : أبشر منا يبعث إلينا، أو يرسل، أو نحوهما ؟ وأما انتصاب واحداً فعلى الحال، إما مما قبله بتقدير : أبشر كائن منا في الحال توحده، وإما مما بعده بمعنى :
١٧٩
نتبعه في توحده، أو في انفراده. وقال ابن عطية : ورفعه إما على إضمار فعل مبني للمفعول، التقدير : أينبأ بشر ؟ وإما على الابتداء، والخبر في قوله :﴿نَّتَّبِعُهُا﴾، وواحداً على هذه القراءة حال إما من الضمير في نتبعه، وإما من المقدر مع منا، كأنه يقول : أبشر كائن منا واحداً ؟ وفي هذا نظر. وقولهم ذلك حسد منهم واستبعاد أن يكون نوع البشر يفضل بعضه بعضاً هذا الفضل، فقالوا : نكون جمعاً ونتبع واحداً، ولم يعلموا أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، ويفيض نور الهدى على من رضيه. انتهى.
وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف أنكروا أن يتبعوا بشراً منهم واحداً ؟ قلت : قالوا : أبشراً إنكاراً ؟ لأن يتبعوا مثلهم في الجنسية، وطلبوا أن يكونوا من جنس أعلى من جنس البشر، وهم الملائكة، وقالوا منا، لأنه إذا كان منهم، كانت المماثلة أقوى، وقالوا واحداً إنكاراً، لأن تتبع الأمة رجلاً واحداً، وأرادوا واحداً من أبنائهم ليس بأشرفهم ولا أفضلهم، ويدل عليه. ﴿الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنا بَيْنِنَا بَلْ﴾ : أي أأنزل عليه الوحي من بيننا ؟ وفينا من هو أحق منه بالاختيار للنبوة. انتهى، وهو حسن، على أن فيه تحميل اللفظ ما لا يحتمله. ﴿إِنَّآ إِذًا﴾ : أي إن اتبعناه، فنحن في ضلال : أي بعد عن الصواب وحيرة. وقال الضحاك : في تيه. وقال وهب : بعد عن الحق، ﴿وَسُعُرٍ﴾ : أي عذاب، قاله ابن عباس. وعنه وجنون يقال : ناقة مسعورة إذا كانت تفرط في سيرها كأنها مجنونة، وقال الشاعر :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٧١
كأن بها سعراً إذا العيس هزهازميل وإزجاء من السير متعب
وقال قتادة : وسعر : عناء. وقال ابن بحر : وسعر جمع سعير، وهو وقود النار، أي في في خطر كمن هو في النار. انتهى. وروي أنه كان يقول لهم : إن لم تتبعوني، كنتم في ضلال عن الحق وسعر : أي نيران، فعكسوا عليه فقالوا : إن اتبعناك كنا إذاً كما تقول. ثم زادوا في الإنكار والاستبعاد فقالوا :﴿أَءُلْقِىَ﴾ : أي أأنزل ؟ قيل : وكأنه يتضمن العجلة في الفعل، والعرب تستعمل هذا الفعل، ومنه :﴿وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى﴾، ﴿إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا﴾. والذكر هنا : الوحي والرسالة وما جاءهم من الحكمة والموعظة. ثم قالوا : ليس الأمر كما تزعم بل هو القرآن. ﴿أَشِرٌ﴾ : أي بطر، يريد العلوّ علينا، وأن يقتادنا ويتملك طاعتنا. وقرأ قتادة وأبو قلابة : بل هو الكذاب الأشر، بلام التعريف فيهما وبفتح الشين وشد الراء، وكذا الأشر الحرف الثاني. وقرأ الحرف الثاني مجاهد، فيما ذكر صاحب اللوامح وأبو قيس الأودي الأشر بثلاث ضمات وتخفيف الراء. ويقال : أشر وأشر، كحذر وحذر، فضمة الشين لغة وضم الهمزة تبع لضمة الشين. وحكى الكسائي عن مجاهد : ضم الشين. وقرأ أبو حيوة : هذا الحرف الآخر الأشر أفعل تفضيل، وإتمام خير، وشر في أفعل التفضيل قليل. وحكى ابن الأنباري أن العرب تقول : هو أخير وهو أشر. قال الراجز.
بلال خير الناس وابن الأخير


الصفحة التالية
Icon