ولا اسماً في نحو :﴿أَوَ ءَابَآؤُنَا﴾، بل الواو والفاء لعطف ما بعدهما على ما قبلهما، والهمزة في التقدير متأخرة عن حرف العطف. لكنه لما كان الاستفهام له صدر الكلام قدمت.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٧
ولما ذكر تعالى استفهامهم عن البعث على طريق الاستبعاد والإنكار، أمر نبيه صلى الله عليه وسلّم أن يخبرهم ببعث العالم، أولهم وآخرهم، للحساب، وبما يصل إليه المكذبون للبعث من العذاب. والميقات : ما وقت به الشيء، أي حد، أي إلى ما وقتت به الدنيا من يوم معلوم، والإضافة بمعنى من، كخاتم حديد. ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ﴾ : خطاب لكفار قريش، ﴿أَيُّهَا الضَّآلُّونَ﴾ عن الهدى، ﴿الْمُكَذِّبُونَ﴾ للبعث. وخطاب أيضاً لمن جرى مجراهم في ذلك. ﴿لاكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ﴾ : من الأولى لابتداء الغاية أو للتبعيض ؛ والثانية، إن كان من زقوم بدلاً، فمن تحتمل الوجهين، وإن لم تكن بدلاً، فهي لبيان الجنس، أي من شجر الذي هو زقوم. وقرأ الجمهور : من شجر ؛ وعبد الله : من شجرة. ﴿فَمَالِـاُونَ مِنْهَا﴾ : الضمير في منها عائد على شجر، إذ هو اسم جنس يؤنث ويذكر، وعلى قراءة عبد الله، فهو واضح.
﴿فَشَـارِبُونَ عَلَيْهِ﴾، قال الزمخشري : ذكر على لفظ الشجر، كما أنث على المعنى في منها. قال : ومن قرأ : من شجرة من زقوم، فقد جعل الضميرين للشجرة، وإنما ذكر الثانى على تأويل الزقوم لأنه يفسرها، وهي في معناه. وقال ابن عطية : والضمير في عليه عائد على المأكول، أو على الأكل. انتهى. فلم يجعله عائداً على شجر. وقرأ نافع وعاصم وحمزة :﴿شُرْبَ﴾ بضم الشين، وهو مصدر. وقيل : اسم لما يشرب ؛ ومجاهد وأبو عثمان النهدي : بكسرها، وهو بمعنى المشروب، اسم لا مصدر، كالطحن والرعي ؛ والأعرج وابن المسيب وسبيب بن الحبحاب ومالك بن دينار وابن جريج وباقي السبعة : بفتحها، وهو مصدر مقيس. والهيم، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك : جمع أهيم، وهو الجمل الذي أصابه الهيام، وقد فسرناه في المفردات. وقيل : جمع هيماء. وقيل : جمع هائم وهائمة، وجمع فاعل على فعل شاذ، كباذل وبذل، وعائد وعوذ ؛ والهائم أيضاً من الهيام. ألا ترى أن الجمل أذا أصابه ذلك هام على وجهه وذهب ؟ وقال ابن عباس وسفيان : الهيم : الرمال التى لا تروى من الماء، وتقدم الخلاف في مفرده، أهو الهيام بفتح الهاء، أم بالضم ؟ والمعنى : أنه يسلط عليهم من الجوع ما يضطرهم إلى أكل الزقوم الذي كالمهل، فإذا ملأوا منه البطون، سلط عليهم من العطش ما يضطرهم إلى شرب الحميم الذي يقطع أمعاهم، فيشربونه شرب الهيم، قاله الزمخشري.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٧
وقال أيضاً : فإن قلت : كيف صح عطف الشاربين على الشاربين، وهما لذوات متفقة وصفتان متفقتان، فكان عطفاً للشيء على نفسه ؟ قلت : ليستا بمتفقتين من حيث أن كونهم شاربين للحميم على ما هو عليه من تناهي الحرارة، وقطع الأمعاء أمر عجيب، وشربهم له على ذلك، كما تشرب الهيم الماء، أمر عجيب أيضاً ؛ فكانتا صفتين مختلفتين. انتهى. والفاء تقتضي التعقيب في الشربين، وأنهم أولاً لما عطشوا شربوا من الحميم ظناً أنه يسكن عطشهم، فازداد العطش بحرارة الحميم، فشربوا بعده شرباً لا يقع به ريّ أبداً، وهو مثل شرب الهيم، فهما شربان من الحميم لا شرب واحد، اختلفت صفتاه فعطف، والمقصود الصفة. والمشروب منه في ﴿فَشَـارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ محذوف لفهم المعنى تقديره : فشاربون منه شرب الهيم. وقرأ الجمهور :﴿نُزُلُهُمْ﴾ بضم الزاي. وقرأ ابن محيصن وخارجة، عن نافع ونعيم ومحبوب وأبو زيد وهارون وعصمة وعباس، كلهم عن أبي عمرو : بالسكون، وهو أول ما يأكله الضيف، وفيه تهكم بالكفار، وقال الشاعر :
وكنا إذا الجبار بالجيش ضافناجعلنا القنا والمرهفات له نزلا
﴿يَوْمَ الدِّينِ﴾ : أي يوم الجزاء. ﴿نَحْنُ خَلَقْنَـاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ﴾ بالإعادة وتقرون بها، كما أقررتم بالنشأة
٢١٠


الصفحة التالية
Icon