﴿فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ﴾ أيها المنافقون، والناصب لليوم الفعل المنفي بلا، وفيه حجة على من منع ذلك، ﴿وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾، في الحديث :"إن الله تعالى يعزر الكافر فيقول له : أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا، أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار ؟ فيقول : نعم يا رب، فيقول الله تبارك وتعالى : قد سألتك ما هو أيسر من ذلك وأ نت في ظهر أبيك آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك". وقرأ الجمهور : لا يؤخذ ؛ وأبو جعفر والحسن وابن أبي إسحاق والأعرج وابن عامر وهارون عن أبي عمرو : بالتاء لتأنيث الفدية. ﴿هِىَ مَوْلَـاكُمْ﴾، قيل : أولى بكم، وهذا تفسير معنى. وكانت مولاهم من حيث أنها تضمهم وتباشرهم، وهي تكون لكم مكان المولى، ونحوه قوله :
تحية بينهم ضرب وجيع
وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد هي ناصركم، أي لا ناصر لكم غيرها. والمراد نفي الناصر على البتات، ونحوه قولهم : أصيب فلان بكذا فاستنصر الجزع، ومنه قوله تعالى :﴿يُغَاثُوا بِمَآءٍ كَالْمُهْلِ﴾. وقيل : تتولاكم كما توليتم في الدنيا أعمال أهل النار.
قوله عز وجل :﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ مِن﴾.
عن عبد الله : ملت الصحابة ملة، فنزلت ﴿أَلَمْ يَأْنِ﴾. وعن ابن عباس : عوتبوا بعد ثلاث عشرة سنة. وقيل : كثر المزاح في بعض شباب الصحابة فنزلت. وقرأ الجمهور :﴿أَلَمْ﴾ ؛ والحسن وأبو السمال : ألما. والجمهور :﴿يَأْنِ﴾ مضارع أنى حان ؛ والحسن : يئن مضارع أن حان أيضاً، والمعنى : قرب وقت الشيء. ﴿أَن تَخْشَعَ﴾ : تطمئن وتخبت، وهو من عمل القلب، ويظهر في الجوارح. وفي الحديث :
٢٢٢
"أول ما يرفع من الناس الخشوع". ﴿لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ : أي لأجل ذكر الله، كقوله :﴿إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾. قيل : أو لتذكير الله إياهم. وقرأ الجمهور : وما نزل مشدداً ؛ ونافع وحفص : مخففاً ؛ والحجدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمرو في رواية يونس، وعباس عنه : مبنياً للمفعول مشدداً ؛ وعبد الله : أنزل بهمزة النقل مبنياً للفاعل. والجمهور :﴿وَلا يَكُونُوا ﴾ بياء الغيبة، عطفاً على ﴿أَن تَخْشَعَ﴾ ؛ وأبو حيوة وابن أبي عبلة وإسماعيل عن أبي جعفر، وعن شيبة، ويعقوب وحمزة في رواية عن سليم عنه : ولا تكونوا على سبيل الالتفات، إما نهياً، وإما عطفاً على ﴿أَن تَخْشَعَ﴾. ﴿كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ مِن قَبْلُ﴾، وهم معاصرو موسى عليه السلام من بني إسرائيل. حذر المؤمنون أن يكونوا مثلهم في قساوة القلوب، إذ كانوا إذا سمعوا التوراة رقوا وخشعوا، ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الامَدُ﴾ : أي انتظار الفتح، أو انتظار القيامة. وقيل : أمد الحياة. وقرأ الجمهور : الأمد مخفف الدال، وهي الغاية من الزمان ؛ وابن كثير : بشدها، وهو الزمان بعينه الأطول. ﴿فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ : صلبت بحيث لا تنفعل للخير والطاعة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢١٦
﴿فَانظُرْ إِلَى ءَاثَـارِ رَحْمَتِ﴾ : يظهر أنه تمثيل لتليين القلوب بعد قسوتها، ولتأثير ذكر الله فيها. كما يؤثر الغيث في الأرض فتعود بعد إجدابها مخصبة، كذلك تعود القلوب النافرة مقبلة، يظهر فيها أثر الطاعات والخشوع. وقرأ الجمهور :﴿الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَـاتِ﴾، بشدّ صاديهما ؛ وابن كثير وأبو بكر والمفضل وأبان وأبو عمرو في رواية هارون : بخفهما ؛ وأبيّ : بتاء قبل الصاد فيهما، فهذه وقراءة الجمهور من الصدقة، والخف من التصديق، صدّقوا رسوله الله صلى الله عليه وسلّم فيما بلغ عن الله تعالى. قال الزمخشري : فإن قلت : علام عطف قوله :﴿وَأَقْرَضُوا ﴾ ؟ قلت : على معنى الفعل في المصدّقين، لأن اللام بمعنى الذين، واسم الفاعل بمعنى اصدّقوا، كأنه قيل : إن الذين اصدقوا وأقرضوا. انتهى. واتبع في ذلك أبا علي الفارسي، ولا يصح أن يكون معطوفاً على المصدقين، لأن المعطوف على الصلة صلة، وقد فصل بينهما بمعطوف، وهو قلوه :﴿وَالْمُصَّدِّقَـاتِ﴾. ولا يصح أيضاً أن يكون معطوفاً على صلة أل في المصدقات لاختلاف الضمائر، إذ ضمير المتصدّقات مؤنث، وضمير وأقرضوا مذكر، فيتخرج هنا على حذف الموصول لدلالة ما قبله عليه، لأنه قيل : والذين أقرضوا، فيكون مثل قوله :
فمن يهجو رسول الله منكمويمدحه وينصره سواء
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢١٦


الصفحة التالية
Icon