فالمخبر عنه مخوف لا خائف، والضمير في ﴿صُدُورِهِمْ﴾. قيل : لليهود، وقيل : للمنافقين، وقيل : للفريقين. وجعل المصدر مقراً للرهبة دليل على تمكنها منهم بحيث صارت الصدور مقراً لها، والمعنى : رهبتهم منكم أشد من رهبتهم من الله عز وجل. ﴿لا يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ : أي بنو النضير وجميع اليهود. وقيل : اليهود والمنافقون ﴿جَمِيعًا﴾ : أي مجتمعين متساندين يعضد بعضهم بعضاً، ﴿إِلا فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ﴾ : لا في الصحراء لخوفهم منكم، وتحصينها بالدروب والخنادق، أو من وراء جدار يتسترون به من أن تصيبوهم. وقرأ الجمهور :﴿جُدُرا﴾ بضمتين، جمع جدار ؛ وأبو رجاء والحسن وابن وثاب : بإسكان الدال تخفيفاً، ورويت عن ابن كثير وعاصم والأعمش. وقرأ أبو عمرو وابن كثير وكثير من المكيين : جدار بالألف وكسر الجيم. وقرأ كثير من المكيين، وهارون عن ابن كثير : جدر بفتح الجيم وسكون الدال. قال صاحب اللوامح : وهو واخذ بلغة اليمن. وقال ابن عطية : ومعناه أصل بنيان كالسور ونحوه. قال : ويحتمل أن يكون من جدر النخل، أي من وراء نخلهم، إذ هي مما يتقى به عند المصافة. ﴿بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ﴾ : أي إذا اقتتلوا بعضهم مع بعض. كان بأسهم شديداً ؛ أما إذا قاتلوكم، فلا يبقى لهم بأس، لأن من حارب أولياء الله خذل. ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا﴾ : أي مجتمعين، ذوي ألفة واتحاد. ﴿وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ : أي وأهواؤهم متفرقة، وكذا حال المخذولين، لا تستقر أهواؤهم على شيء واحد، وموجب ذلك الشتات هو انتفاء عقولهم، فهم كالبهائم لا تتفق على حالة. وقرأ الجمهور :﴿شَتَّى ﴾ بألف التأنيث ؛ ومبشر بن عبيد : منوناً، جعلها ألف الإلحاق ؛ وعبد الله : وقلوبهم أشت : أي أشد تفرقاً، ومن كلام العرب : شتى تؤوب الحلبة. قال الشاعر :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣٩
إلى الله أشكوا فتية شقت العصاهي اليوم شتى وهي أمس جميع
قوله عز وجل :﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلانسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّى بَرِى ءٌ مِّنكَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِى النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَالِكَ جَزَا ؤُا الظَّالِمِينَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُا بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُم أُوالَئاِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لا يَسْتَوِى أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِا أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَآاِزُونَ * لَوْ أَنزَلْنَا هذا الْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَه خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الامْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾.
٢٤٩
﴿كَمَثَلِ﴾ : خبر مبتدأ محذوف، أي مثلهم، أي بني النضير ﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ﴾ : وهم بنو قينقاع، أجلاهم الرسول صلى الله عليه وسلّم من المدينة قبل بني النضير فكانوا مثلاً لهم، قاله ابن عباس ؛ أو أهل بدر الكفار، فإنه عليه الصلاة والسلام قتلهم، فهم مثلهم في أن غلبوا وقهروا. وقيل : الضمير في ﴿مِن قَبْلِهِمْ﴾ للمنافقين، و﴿الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ : منافقو الأمم الماضية، غلبوا ودلوا على وجه الدهر، فهؤلاء مثلهم. ويبعد هذا التأويل لفظة ﴿قَرِيبًا ﴾ أن جعلته متعلقاً بما قبله، وقريباً ظرف زمان وإن جعلته معمولاً لذاقوا، أي ذاقوا وبال أمرهم قريباً من عصيانهم، أي لم تتأخر عقوبتهم في الدنيا، كما لم تتأخر عقوبة هؤلاء. ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٣٩


الصفحة التالية
Icon