الطلاق وندم، لم يكن له مخرج، وزال عنه رزق زوجته. وقال ابن عباس : للمطلق ثلاثاً : إنك لم تتق الله، بانت منك امرأتك، ولا أرى لك مخرجاً. وقال :﴿يَجْعَل لَّه مَخْرَجًا﴾ : يخلصه من كذب الدنيا والآخرة. والظاهر أن قوله :﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ﴾ متعلق بأمر ما سبق من أحكام الطلاق. وروي أنها في غير هذا المعنى، وهو أن أسر ابن يسمى سالماً لخوف بن مالك الأشجعي، فشكا ذلك للرسول صلى الله عليه وسلّم، وأمره بالتقوى فقبل، ثم لم يلبث أن تفلت ولده واستاق مائة من الإبل، كذا في الكشاف. وفي الوجيز : قطيعاً من الغنم كانت للذين أسروه، وجاء أباه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم : أيطيب له ؟ فقال :"نعم"، فنزلت الآية. وقال الضحاك : من حيث لا يحتسب امرأة أخرى. وقيل : ومن يتق الحرام يجعل له مخرجاً إلى الحلال. وقيل : مخرجاً من الشدة إلى الرخاء. وقيل : من النار إلى الجنة. وقيل : من العقوبة، ويرزقه من حيث لا يحتسب من الثواب. وقال الكلبي : ومن يتق الله عند المصيبة يجعل له مخرجاً إلى الجنة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٠
﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ : أي يفوض أمره إليه، ﴿فَهُوَ حَسْبُهُا ﴾ : أي كافيه. ﴿إِنَّ اللَّهَ بَـالِغُ أَمْرِهِا﴾، قال مسروق : أي لا بد من نفوذ أمر الله، توكلت أم لم تتوكل. وقرأ الجمهور : بالغ بالتنوين، أمره بالنصب ؛ وحفص والمفضل وأبان وجبلة وابن أبي عبلة وجماعة عن أبي عمرو ويعقوب وابن مصرف وزيد بن علي : بالإضافة ؛ وابن أبي عبلة أيضاً وداود بن أبي هند وعصمة عن أبي عمرو : بالغ أمره، رفع : أي نافذ أمره. والمفضل أيضاً : بالغاً بالنصب، أمره بالرفع، فخرجه الزمخشري على أن بالغاً حال، وخبر إن هو قوله تعالى :﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ﴾، ويجوز أن تخرج هذه القراءة على قول من ينصب بأن الجزأين، كقوله :
إذا اسود جنح الليل فلتأت ولتكنخطاك خفافاً أن حراسنا أسدا
ومن رفع أمره، فمفعول بالغ محذوف تقديره : بالغ أمره ما شاء. ﴿قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا﴾ : أي تقديراً وميقاتاً لا يتعداه، وهذه الجمل تحض على التوكل. وقرأ جناح بن حبيش : قدراً بفتح الدال، والجمهور بإسكانها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٠
قوله عز وجل :﴿ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُا إِلَيْكُم وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّـاَاتِهِا وَيُعْظِمْ لَهُا أَجْرًا * أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلا تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّا وَإِن كُنَّ أُوْلَـاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾.
٢٨٣
وروي أن قوماً، منهم أبيّ بن كعب وخلاد بن النعمان، لما سمعوا قوله :﴿وَالْمُطَلَّقَـاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَـاثَةَ قُرُواءٍ﴾، قالوا : يا رسول الله، فما عدة من لا قرء لها من صغر أو كبر ؟ فنزلت هذه الآية، فقال قائل : فما عدة الحامل ؟ فنزلت ﴿وَأُوْلَـاتُ الاحْمَالِ﴾. وقرأ الجمهور :﴿يَـاِسْنَ﴾ فعلاً ماضياً. وقرىء : بياءين مضارعاً، ومعنى ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ في أنها يئست أم لا، لأجل مكان ظهور الحمل، وإن كان انقطع دمها. وقيل : إن ارتبتم في دم البالغات مبلغ اليأس، أهو دم حيض أو استحاضة ؟ وإذا كانت هذه عدة المرتاب بها، فغير المرتاب بها أولى بذلك. وقدر بعضهم مبلغ اليأس بستين سنة، وبعضهم بخمس وخمسين. وقيل : غالب سن يأس عشيرة المرأة. وقيل : أقصى عادة امرأة في العالم. وقال مجاهد : الآية واردة في المستحاضة أطبق بها الدم، لا ندري أهو دم حيض أو دم علة. وقيل :﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ : شككتم في حالهن وحكمهن فلم تدروا ما حكمهن، فالحكم أن عدتهن ثلاثة أشهر. واختار الطبري أن معنى ﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ : شككتم فلم تدروا ما الحكم، فقيل :﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ : أي إن تيقنتم إياسهن، وهو من الأضداد. وقال الزجاج : المعنى إن ارتبتم في حيضها، وقد انقطع عنها الدم، وكانت مما يحيض مثلها. وقال مجاهد أيضاً :﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ هو للمخاطبين، أي إن لم تعلموا عدة الآيسة، ﴿وَالَّـا ِى لَمْ يَحِضْنَ﴾، فالعدة هذه، فتلخص في قوله :﴿إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ قولان : أحدهما، أنه على ظاهر مفهوم اللغة فيه، وهو حصول الشك ؛ والآخر، أن معناه التيقن للإياس ؛ والقول الأول معناه : إن ارتبتم في دمها، أهو دم حيض أو دم علة ؟ أو إن ارتبتم في علوق بحمل أم لا ؛ أو إن ارتبتم : أي جهلتم عدتهن، أقوال. والظاهر أن قوله :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٠


الصفحة التالية
Icon