وفي الحديث أن عمر قال : يا رسول الله لا تكترث بأمر نسائك، والله معك، وجبريل معك، وأبو بكر وأنا معك، فنزلت. وروي عنه أنه قال لزوجات النبي صلى الله عليه وسلّم :﴿ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُا إِن طَلَّقَكُنَّ﴾ الآية، فنزلت. وقرأ الجمهور : طلقكن بفتح القاف، وأبو عمرو في رواية ابن عباس : بإدغامها في الكاف، وتقدم ذكر الخلاف في ﴿أَن يُبْدِلَهُا﴾ في سورة الكهف، والمتبدل به محذوف لدلالة المعنى عليه، تقديره : أن يبدله خيراً منكن، لأنهن إذا طلقهن كان طلاقهن لسوء عشرتهن، واللواتي يبدلهن بهذه الأوصاف يكن خيراً منهن. وبدأ في وصفهن بالإسلام، وهو الانقياد ؛ ثم بالإيمان، وهو التصديق ؛ ثم بالقنوت، وهو الطواعية ؛ ثم بالتوبة، وهي الإقلاع عن الذنب ؛ ثم بالعبادة، وهي التلذذ ؛ ثم بالسياحة، وهي كناية عن الصوم، قاله أبو هريرة وابن عباس وقتادة والضحاك. وقيل : إن الرسول صلى الله عليه وسلّم فسره بذلك، قاله أيضاً الحسن وابن جبير وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن. قال الفراء والقتبي : سمي الصائم سائحاً لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل من حيث يجد الطعام. وقال زيد بن أسلم
٢٩١
ويمان : مهاجرات. وقال ابن زيد : ليس في الإسلام سياحة إلا الهجرة. وقيل : ذاهبات في طاعة الله. وقرأ الجمهور : سائحات، وعمرو بن فائد : سيحات، وهذه الصفات تجتمع، وأما الثيوبة والبكارة فلا يجتمعان، فلذلك عطف أحدهما على الآخر، ولو لم يأت بالواو لاختل المعنى. وذكر الجنسين لأن في أزواجه صلى الله عليه وسلّم من تزوجها بكراً، والثيب : الراجع بعد زوال العذرة، يقال : ثابت تثوب ثووباً، ووزنه فعيل كسيد.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٨
ولما وعظ أزواج الرسول صلى الله عليه وسلّم موعظة خاصة، أتبع ذلك بموعظة عامة للمؤمنين وأهليهم، وعطف ﴿وَأَهْلِيكُمْ﴾ على ﴿أَنفُسَكُمْ﴾، لأن رب المنزل راع وهو مسؤول عن أهله. ومعنى وقايتهم : حملهم على طاعته وإلزامهم أداء ما فرض عليهم. قال عمر : يا رسول الله، نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا ؟ قال :"تنهونهن عما نهاكم الله تعالى عنه، وتأمرونهن بما أمركم الله به، فتكون ذلك وقاية بينهن وبين النار"، ودخل الأولاد في ﴿وَأَهْلِيكُمْ﴾. وقيل : دخلوا في ﴿أَنفُسَكُمْ﴾ لأن الولد بعض من أبيه، فيعلمه الحلال والحرام ويجنبه المعاصي. وقرىء : وأهلوكم بالواو، وهو معطوف على الضمير في ﴿قُوا ﴾ وحسن العطف للفصل بالمفعول. وقال الزمخشري : فإن قلت : أليس التقدير قوا أنفسكم وليق أهلوكم أنفسهم ؟ قلت : لا، ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو وأنفسكم واقع بعده، فكأنه قيل : قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم. لما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه. فجعلت ضميرهما معاً على لفظ المخاطب. انتهى. وناقض في قوله هذا لأنه قدر وليق أهلوكم فجعله من عطف الجمل، لأن أهلوكم اسم ظاهرة لا يمكن عنده أن يرتفع بفعل الآمر الذي للمخاطب، وكذا في قوله :﴿اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾، ثم قال : ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو، فناقض لأنه في هذا جعله مقارناً في التقدير للواو، وفيما قبله رفعه بفعل آخر غير الرافع للواو وهو وليق، وتقدم الخلاف في فتح الواو في قوله :﴿وَقُودُهَا﴾ وضمها في البقرة. وتفسير ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ في البقرة ﴿عَلَيْهَا مَلَئاِكَةٌ﴾ : هي الزبانية التسعة عشر وأعوانهم. ووصفهم بالغلظ، إما لشدة أجسامهم وقوتها، وإما لفظاظتهم لقوله :﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ﴾، أي ليس فيهم رقة ولا حنة على العصاة. وانتصب ﴿مَآ أَمَرَهُمْ﴾ على البدل، أي لا يعصون أمره لقوله تعالى :﴿أَفَعَصَيْتَ أَمْرِى﴾، أو على إسقاط حرف الجر. أي فيما أمرهم ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾. قيل : كرر المعنى توكيداً. وقال الزمخشري : فإن قلت : أليس الجملتان في معنى واحد ؟ قلت : لا فإن معنى الأولى : أنهم يتقبلون أوامره ويلتزمونها ولا يأبونها ولا ينكرونها، ومعنى الثانية : أنهم يودون ما يؤمرون، لا يتثاقلون عنه ولا يتوانون فيه. ﴿لا تَعْتَذِرُوا ﴾ : خطاب لهم عند دخولهم المنار، لأنهم لا ينفعهم الاعتذار، فلا فائدة فيه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٨٨
قوله عز وجل :﴿تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّـاَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّـاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الانْهَـارُ﴾.
٢٩٢


الصفحة التالية
Icon