من ذلك. وتبعه القرطبي في ذلك وقال : لأن المعنى يصير ليس هاهنا طعام إلا من غسلين، ولا يصح ذلك لأن ثم طعاماً غيره، وهاهنا متعلق بما في له من معنى الفعل. انتهى. وإذا كان ثم غيره من الطعام، وكان الأكل غير أكل آخر، صح الحصر بالنسبة إلى اختلاف الأكلين. وأما إن كان الضريع هو الغسلين، كما قال بعضهم، فلا تناقض، إذ المحصور في الآيتين هو شيء واحد، وإنما يمتنع ذلك من وجه غير ما ذكره، وهو أنه إذا جعلنا الخبر هاهنا، كان له واليوم متعلقين بما تعلق به الخبر، وهو العامل في ههنا، وهو عامل معنوي، فلا يتقدم معموله عليه. فلو كان العامل لفظياً جاز، كقوله تعالى :﴿وَلَمْ يَكُن لَّه كُفُوًا أَحَدُ﴾، فله متعلق بكفواً وهو خبر ليكن.
وقرأ الجمهور :﴿الْخَـاطِـاُونَ﴾، اسم فاعل من خطىء، وهو الذي يفعل ضد الصواب متعمداً لذلك، والمخطىء الذي يفعله غير متعمد. وقرأ الحسن والزهري والعتكي وطلحة في نقل : بياء مضمومة بدلاً من الهمزة. وقرأ أبو جعفر وشيبة وطلحة ونافع : بخلاف عنه، بضم الطاء دون همز، فالظاهر اسم فاعل من خطىء كقراءة من همز. وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد : الذين يتخطون الحق إلى الباطل ويتعدون حدود الله. انتهى. فيكون اسم فاعل من خطا يخطو، كقوله تعالى :﴿طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَـانِ﴾، ﴿وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَـانِ﴾ خطا إلى المعاصي.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣١٨
قوله عز وجل :﴿أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ * إِنَّه لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍا قَلِيلا مَّا تُؤْمِنُونَ * وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍا قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاقَاوِيلِ * لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـاجِزِينَ * وَإِنَّه لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ * وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ * وَإِنَّه لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَـافِرِينَ * وَإِنَّه لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾.
تقدم الكلام في لا قبل القسم في قوله :﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾، وقراءة الحسن : لأقسم بجعلها لا ما دخلت على أقسم. وقيل : لا هنا نفي للقسم، أي لا يحتاج في هذا إلى قسم لوضوح الحق في ذلك، وعلى هذا فجوابه جواب القسم. قال مقاتل : سبب ذلك أن الوليد قال : إن محمداً ساحر، وقال أبو جهل : شاعر، وقال : كاهن. فردّ الله عليهم بقوله :﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لا تُبْصِرُونَ﴾، عام في جميع مخلوقاته. وقال عطاء : ما تبصرون من آثار القدرة، وما لا تبصرون من أسرار القدرة. وقيل :﴿وَمَا لا تُبْصِرُونَ﴾ : الملائكة. وقيل : الأجساد والأرواح. ﴿إِنَّهُ﴾ : أي إن القرآن، ﴿لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ : هو محمد صلى الله عليه وسلّم في قول الأكثرين، ويؤيده :﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ﴾ وما بعده، ونسب القول إليه لأنه هو مبلغه والعامل به. وقال ابن السائب ومقاتل وابن قتيبة : هو جبريل عليه السلام، إذ هو الرسول عن الله.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣١٨