ويصف ظليماً وطباه : أي دعاه والهوى، والدعى لا يدعوان حقيقة، ولكنه لما كان فيهما ما يجذب صاراً داعيين مجازاً. وقيل : تدعو، أي خزنة جهنم، أضيف دعاؤهم إليها، ﴿مَنْ أَدْبَرَ﴾ عن الحق، ﴿وَتَوَلَّى * وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾ : أي وجمع المال، فجعله في وعاء وكنزه ولم يؤد حق الله فيه، وهذه إشارة إلى كفار أغنياء. وقال الحكيم : كان عبد الله بن حكيم لا يربط كيسه ويقول : سمعت الله يقول :﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى * إِنَّ الانسَـانَ﴾ جنس، ولذلك استثنى منه ﴿إِلا الْمُصَلِّينَ﴾. وقيل : الإشارة إلى الكفار. وقال ثعلب : قال لي محمد بن عبد الله بن طاهر : ما الهلع ؟ فقلت : قد فسره الله تعالى، ولا يكون تفسير أبين من تفسيره، وهو الذي إذا ناله شر أظهر شدة الجزع، وإذا ناله خير بخل به ومنعه الناس. انتهى.
ولما كان شدة الجزع والمنع متمكنة في الإنسان، جعل كأنه خلق محمولاً عليهما كقوله :﴿خُلِقَ الانْسَـانُ مِنْ عَجَلٍ﴾، والخير المال. ﴿إِلا الْمُصَلِّينَ﴾ : استثناء كما قلنا من الإنسان، ولذلك وصفهم بما وصفهم به من الصبر على المكاره والصفات الجميلة التي حاوروها. وقرأ الجمهور :﴿عَلَى صَلاتِهِمْ﴾ بالإفراد ؛ والحسن جمعاً ؛ وديمومتها، قال الجمهور : المواظبة عليها. وقال ابن مسعود : صلاتها لوقتها. وقال عقبة بن عامر : يقرون فيها ولا يلتفتون يميناً ولا شمالاً، ومنه المال الدائم. وقال الزمخشري : دوامهم عليها أن يواظبوا على أدائها ولا يشتغلون عنها بشيء، ومحافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها ومواقيتها ويقيموا أركانها ويكملوها بسننها وأدائها ويحفظونها من الإحباط باقتران المآثم، والدوام يرجع إلى أنفس الصلوات والمحافظة على أحوالها. انتهى، وهو جوابه لسؤاله : فإن قلت : كيف قال :﴿عَلَى صَلاتِهِمْ دَآاِمُونَ﴾، ثم قال :﴿عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾. وأقول : إن الديمومة على الشيء والمحافظة عليه شيء واحد، لكنه لما كانت الصلاة هي عمود الإسلام بولغ في التوكيد فيها، فذكرت أول خصال الإسلام المذكورة في هذه السورة وآخرها، ليعلم مرتبتها في الأركان التي بني الإسلام عليها، والصفات التي بعد هذه تقدم تفسيرها، ومعظمها في سورة قد أفلح المؤمنون. وقرأ الجمهور : بشهادتهم على الإفراد ؛ والسلمي وأبو عمر وحفص : على الجمع.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣٠
قوله عز وجل :﴿قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِى ٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلا إِنَّا خَلَقْنَـاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ * فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَـارِقِ وَالْمَغَـارِبِ إِنَّا لَقَـادِرُونَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَـاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِى يُوعَدُونَ * يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الاجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَـاشِعَةً أَبْصَـارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌا ذَالِكَ الْيَوْمُ الَّذِى كَانُوا يُوعَدُونَ﴾.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلي عند الكعبة ويقرأ القرآن، فكانوا يحتفون به حلقاً حلقاً يسمعون ويستهزؤون بكلامه ويقولون : إن دخل هؤلاء الجنة، كما يقول محمد، فلندخلنها قبلهم، فنزلت. وتقدم شرح ﴿مُهْطِعِينَ﴾ في سورة إبراهيم
٣٣٥
عليه السلام، ومعنى ﴿قَبْلِكَ﴾ : أي في الجهة التي تليك، ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ﴾ : أي عن يمينك وشمالك. وقيل : نزلت في المستهزئين الخمسة. وقرأ الجمهور :﴿أَن يُدْخَلَ﴾ مبنياً للمفعول ؛ وابن يعمر والحسن وأبو رجاء وزيد بن عليّ وطلحة والمفضل عن عاصم : مبنياً للفاعل. ﴿كَلا﴾ : ردّ وردع لطماعيتهم، إذ أظهروا ذلك، وإن كانوا لا يعتقدون صحة البعث، ولا أن ثم جنة ولا ناراً.