قال الزمخشري : أو لأنه أراد بدعوتهم : جاهرتهم، ويجوز أن يكون صفة لمصدر دعا بمعنى دعاء جهاراً : أي مجاهراً به، أو مصدراً في موضع الحال، أي مجاهراً. ثم أخبر أنه أمرهم بالاستغفار، وأنهم إذا استغفروا در لهم الرزق في الدنيا، فقدم ما يسرهم وما هو أحب إليهم، إذ النفس متشوفة إلى الحصول على العاجل، كما قال تعالى :﴿وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾، ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالارْضِ﴾، ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالانجِيلَ﴾، ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَـامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لاسْقَيْنَـاهُم﴾. قال قتادة : كانوا أهل حب للدنيا، فاستدعاهم إلى الآخرة من الطريق التي يحبونها. وقيل : لما كذبوه بعد طول تكرار الدعاء قحطوا وأعقم نساؤهم، فبدأهم في وعده بالمطر، ثم ثنى بالأموال والبنين. و﴿مِّدْرَارًا﴾ : من الدر، وهو صفة يستوي فيها المذكر والمؤنث، ومفعال لا تلحقه التاء إلا نادراً، فيشترك فيه المذكر والمؤنث. تقول : رجل محدامة ومطرابة، وامرأة محدابة ومطرابة، والسماء المطلة، قيل : لأن المطر ينزل منها إلى السحاب، ويجوز أن يراد السحاب والمطر كقوله :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣٧
إذا نزل السماء بأرض قوم
البيت، الرجاء بمعنى الخوف، وبمعنى الأمل. فقال أبو عبيدة وغيره :﴿لا تَرْجُونَ﴾ : لا تخافون، قالوا : والوقار بمعنى العظمة والسلطان، والكلام على هذا وعيد وتخويف. وقيل : لا تأملون له توقيراً : أي تعظيماً. قال الزمخشري : والمعنى : ما لكم لا تكونون على حال ما يكون فيها تعظيم الله إياكم في دار الثواب، ولله بيان للموقر، ولو تأخر لكان صلة، أو لا تخافون الله حلماً وترك معاجلة بالعقاب فتؤمنوا. وقيل : ما لكم لا تخافون لله عظمة. وعن ابن عباس : لا تخافون لله عاقبة، لأن العاقبة حال استقرار الأمور وثبات الثواب والعقاب منه وقر إذا ثبت واستقر. انتهى. وقيل : ما لكم لا تجعلون رجاءكم لله وتلقاءه وقاراً، ويكون على هذا منهم كأنه يقول : تؤده منكم وتمكناً في النظر، لأن الفكر مظنة الخفة والطيش وركوب الرأس. انتهى. وفي التحرير قال سعيد بن جبير : ما لكم لا ترجون لله ثواباً ولا تخافون عقاباً، وقاله ابن جبير عن ابن عباس. وقال العوفي عنه : ما لكم لا تعلمون لله عظمة ؛ وعن مجاهد والضحاك : ما لكم لا تبالون لله عظمة. قال قطرب : هذه لغة حجازية، وهذيل وخزاعة ومضر يقولون : لم أرج : لم أبال. انتهى. ﴿لا تَرْجُونَ﴾ : حال، ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ : جملة حالية تحمل على الإيمان بالله وإفراده بالعبادة، إذ في هذه الجملة الحالية التنبيه على تدريج الإنسان في أطوار لا يمكن أن تكون إلا من خلقه تعالى. قال ابن عباس ومجاهد من : النطفة والعلقة والمضغة. وقيل : في اختلاف ألوان الناس وخلقهم وخلقهم ومللهم. وقيل : صبياناً ثم شباباً ثم شيوخاً وضعفاء ثم أقوياء. وقيل : معنى ﴿أَطْوَارًا﴾ : أنواعاً صحيحاً وسقيماً وبصيراً وضريراً وغنياً وفقيراً. قوله عز وجل :﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَـاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنابَتَكُم مِّنَ الارْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الارْضَ بِسَاطًا * لِّتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلا فِجَاجًا * قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُه وَوَلَدُهُ ا إِلا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّـالِمِينَ إِلا ضَلَـالا * مِّمَّا خَطِياَـاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا * وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لا تَذَرْ عَلَى الارْضِ مِنَ الْكَـافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا * رَّبِّ اغْفِرْ لِى وَلِوَالِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ وَلا تَزِدِ الظَّـالِمِينَ إِلا تَبَارَا ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٣٧