﴿يَوْمًا﴾ منصوب بتتقون، منصوب نصب المفعول به على المجاز، أي كيف تستقبلون هذا اليوم العظيم الذي من شأنه كذا وكذا ؟ والضمير في ﴿يَجْعَلُ﴾ لليوم، أسند إليه الجعل لما كان واقعاً له على سبيل المجاز. وقال الزمخشري :﴿يَوْمًا﴾ مفعول به، أي فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة وهو له إن بقيتم على الكفر ولم تؤمنوا وتعملوا صالحاً ؟ انتهى. وتتقون مضارع اتقى، واتقى ليس بمعنى وقى حتى يفسره به، واتقى يتعدى إلى واحد، ووقى يتعدى إلى اثنين. قال تعالى :﴿وَوَقَـاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ﴾، ولذلك قدره الزمخشري : تقون أنفسكم يوم القيامة، لكنه ليس تتقون بمعنى تقون، فلا يتعدى بعديته، ودس في قوله : ولم تؤمنوا وتعملوا صالحاً الاعتزال. قال : ويجوز أن يكون ظرفاً، أي فيكف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا ؟ قال : ويجوز أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم، أي فكيف تتقون الله وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة ؟ والجزاء لأن تقوى الله خوف عقابه. انتهى. وقرأ الجمهور :﴿يَوْمًا﴾ منوناً، ﴿يَجْعَلُ﴾ بالياء ؛ والجملة من قوله :﴿يَجْعَلُ﴾ صفة ليوم، فإن كان الضمير في ﴿يَجْعَلُ﴾ عائداً على اليوم فواضح وهو الظاهر ؛ وإن عاد على الله، كما قال بعضهم، فلا بد من حذف ضمير يعود إلى اليوم، أي يجعل فيه كقوله :﴿يَوْمًا لا تَجْزِى نَفْسٌ﴾. وقرأ زيد بن عليّ : بغير تنوين : نجعل بالنون، فالظرف مضاف إلى الجملة، والشيب مفعول ثان ليجعل، أي يصير الصبيان شيوخاً، وهو كناية عن شدة ذلك اليوم. ويقال في اليوم الشديد : يوم يشيب نواصي الأطفال، والأصل فيه أن الهموم إذا تفاقمت أسرعت بالشيب. قال المتنبي :
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥٨
والهم يخترم الجسيم نحافةويشيب ناصية الصبي ويهرم
وقال قوم : ذلك حقيقة تشيب رؤوسهم من شدة الهول، كما قد يرى الشيب في الدنيا من الهم المفرط، كهول البحر ونحوه. وقال الزمخشري : ويجوز أن يوصف اليوم بالطول، وأن الاطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة. وقال السدي : الولدان : أولاد الزنا. وقيل : أولاد المشركين، والظاهر العموم، أي يشيب الصغير من غير كبر، وذلك حين يقال لآدم : يا آدم قم فابعث بعث النار. وقيل : هذا وقت الفزع قبل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق. ﴿السَّمَآءُ مُنفَطِرُا بِهِا﴾، قال الفراء : يعني المظلة تذكر وتؤنث، فجاء منفطر على التذكير، ومنه قول الشاعر :
فلو رفع السماء إليه قومالحقنا بالسماء وبالسحاب
وعلى القول بالتأنيث، فقال أبو علي الفارسي : هو من باب الجراد المنتشر، والشجر الأخضر، وأعجاز نخل منقعر. انتهى، يعني أنها من باب اسم الجنس الذي بينه وبين مفرده تاء التأنيث وأن مفرده سماء، واسم الجنس يجوز فيه التذكير والتأنيث، فجاء منفطر على التذكير. وقال أبو عمرو بن العلاء،
٣٦٥
وأبو عبيدة والكسائي، وتبعهم القاضي منذر بن سعيد : مجازها السقف، فجاء عليه منفطر، ولم يقل منفطرة. وقال أبو علي أيضاً : التقدير ذات انفطار كقولهم : امرأة مرضع، أي ذات رضاع، فجرى على طريق التسبب. وقال الزمخشري : أو السماء شيء منفطر، فجعل منفطر صفة لخبر محذوف مقدر بمذكر وهو شيء، والانفطار : التصدع والانشقاق ؛ والضمير في به الظاهر أنه يعود على اليوم، والباء للسبب، أي بسبب شدة ذلك اليوم، أو ظرفية، أي فيه. وقال مجاهد : يعود على الله، أي بأمره وسلطانه. والظاهر أن الضمير في ﴿وَعْدُهُ﴾ عائد على اليوم، فهو من إضافة المصدر إلى المفعول، أي أنه تعالى وعد عباده هذا اليوم، وهو يوم القيامة، فلا بد من إنجازه. ويجوز أن يكون عائداً على الله تعالى، فيكون من إضافة المصدر إلى الفاعل، وإن لم يجر له ذكر قريب، لأنه معلوم أن الذي هذه مواعيده هو الله تعالى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٥٨


الصفحة التالية
Icon