﴿كَلا وَالْقَمَرِ * وَالَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ﴾ : أي ولى، ويقال دبر وأدبر بمعنى واحد. أقسم تعالى بهذه الأشياء تشريفاً لها وتنبيهاً على ما يظهر بها وفيها من عجائب الله وقدرته، وقوام الوجود بإيجادها. وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وعطاء وابن يعمر وأبو جعفر وشيبة وأبو الزناد وقتادة وعمر بن العزيز والحسن وطلحة والنحويان والابنان وأبو بكر : إذا ظرف زمان مستقبل دبر بفتح الدال ؛ وابن جبير والسلمي والحسن : بخلاف عنهم ؛ وابن سيرين والأعرج وزيد بن علي وأبو شيخ وابن محيصن ونافع وحمزة وحفص : إذ ظرف زمان ماض، أدبر رباعياً ؛ والحسن أيضاً وأبو رزين وأبو رجاء وابن يعمر أيضاً والسلمي أيضاً وطلحة أيضاً والأعمش ويونس بن عبيد ومطر : إذا بالألف، أدبر بالهمز، وكذا هو في مصحف عبد الله وأبيّ، وهو مناسب لقوله :﴿إِذَآ أَسْفَرَ﴾، ويقال : كأمس الدابر وأمس المدبر بمعنى واحد. وقال يونس بن حبيب : دبر : انقضى، وأدبر : تولى. وقال قتادة : دبر الليل : ولى. وقال الزمخشري : ودبر بمعنى أدبر، كقبل بمعنى أقبل. وقيل : هو من دبر الليل النهار : أخلفه. وقرأ الجمهور : أسفر رباعياً ؛ وابن السميفع وعيسى بن الفضل : سفر ثلاثياً، والمعنى : طرح الظلمة عن وجهه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٦٨
﴿إِنَّهَا لاحْدَى الْكُبَرِ﴾ : الظاهر أن الضمير في إنها عائد على النار. قيل : ويحتمل أن يكون للنذارة، وأمر الآخرة فهو للحال والقصة. وقيل : إن قيام الساعة لإحدى الكبر، فعاد الضمير إلى غير مذكور، ومعنى إحدى الكبر : الدواهي الكبر، أي لا نظير لها، كما تقول : هو أحد الرجال، وهي إحدى النساء، والكبر : العظائم من العقوبات.
وقال الراجز :
يا ابن المعلى نزلت إحدى الكبرداهية الدهر وصماء الغير
والكبر جمع الكبرى، طرحت ألف التأنيث في الجمع، كما طرحت همزته في قاصعاء فقالوا قواصع. وفي كتاب ابن عطية : والكبر جمع كبيرة، ولعله من وهم الناسخ. وقرأ الجمهور : لإحدى بالهمز، وهي منقلبة عن واو أصله لوحدى، وهو بدل لازم. وقرأ نصر بن عاصم وابن محيصن ووهب بن جرير عن ابن كثير : بحذف الهمزة، وهو حذف لا ينقاس، وتخفيف مثل هذه الهمزة أن تجعل بين بين. والظاهر أن هذه الجملة جواب للقسم. وقال الزمخشري : أو تعليل لكلا، والقسم معترض للتوكيد.
٣٧٨
انتهى.
وقرأ الجمهور :﴿نَذِيرًا﴾، واحتمل أن يكون مصدراً بمعنى الإنذار، كالنكير بمعنى الإنكار، فيكون تمييزاً : أي لإحدى الكبر إنذاراً، كما تقول : هي إحدى النساء عفافاً. كما ضمن إحدى معنى أعظم، جاء عنه التمييز. وقال الفراء : هو مصدر نصب بإضمار فعل، أي أنذر إنذاراً. واحتمل أن يكون اسم فاعل بمعنى منذر. فقال الزجاج : حال من الضمير في إنها. وقيل : حال من الضمير في إحدى، ومن جعله متصلاً بقم في أول السورة، أو بـ : فأنذر في أول السورة، أو حالاً من الكبر، أو حالاً من ضمير الكبر، فهو بمعزل عن الصواب. قال أبو البقاء : والمختار أن يكون حالاً مما دلت عليه الجملة تقديره : عظمت نذيراً. انتهى، وهو قول لا بأس به. قال النحاس : وحذفت الهاء من نذيراً، وإن كان للنار على معنى النسب، يعني ذات الإنذار. وقال علي بن سليمان : أعني نذيراً. وقال الحسن : لأنذر، إذ هي من النار. قال ابن عطية : وهذا القول يقتضي أن نذيراً حال من الضمير في إنها، أو من قوله :﴿لاحْدَى﴾. قال أبو رزين : نذير هنا هو الله تعالى، فهو منصوب بإضمار فعل، أي ادعوا نذيراً. وقال ابن زيد : نذير هنا هو محمد صلى الله عليه وسلّم، فهو منصوب بفعل مضمر، أي ناد، أو بلغ، أو أعلن. وقرأ أبيّ وابن أبي عبلة : نذير بالرفع. فإن كان من وصف النار، جاز أن يكون خبراً وخبر مبتدأ محذوف، أي هي نذير. وإن كان من وصف الله أو الرسول، فهو على إضمار هو. والظاهر أن لمن بدل من البشر بإعادة الجار، وأن يتقدم منصوب بشاء ضمير يعود على من. وقيل : الفاعل ضمير يعود على الله تعالى، أي لمن شاء هو، أي الله تعالى. وقال الحسن : هو وعيد، نحو قوله تعالى :﴿فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ﴾. قال ابن عطية : هو بيان في النذارة وإعلام بأن كل أحد يسلك طريق الهدى والحق إذا حقق النظر، إذ هو بعينه يتأخر عن هذه الرتبة بغفلته وسوء نظره. ثم قوى هذا المعنى بقوله تعالى :﴿كُلُّ نَفْسا بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٦٨