أبنية أسماء الجموع، وإنما هو من أبنية جمع التكسير، فهو كذاكير وملاميح والمفرد منهما لمحة وذكر ؛ ولم يذهب أحد إلى أنهما من أسماء الجموع، بل قيل : هما جمع للمحة وذكر على قياس، أو هما جمع لمفرد لم ينطق به، وهو مذكار وملمحة. وقال السدي والضحاك : المعاذير : الستور بلغة اليمن، واحدها معذار، وهو يمنع رؤية المحتجب كما تمنع المعذرة عقوبة الذنب. وقاله الزجاج أيضاً، أي وإن رمى مستورة يريد أن يخفي عمله، فنفسه شاهدة عليه. وأنشدوا في أن المعاذير الستور قول الشاعر :
ولكنها ضنت بمنزل ساعةعلينا وأطت فوقها بالمعاذر
وقيل : البصيرة : الكاتبان يكتبان ما يكون من خير أو شر، أي وإن تستر بالستور ؛ وإذا كانت من العذر، فمعنى ﴿وَلَوْ أَلْقَى ﴾ : أي نطق بمعاذيره وقالها. وقيل : ولو رمى بأعذاره واستسلم. وقال السدي : ولو أدى بحجة وعذر. وقيل : ولو أحال بعضهم على بعض، كقوله تعالى :﴿لَوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ﴾ ؛ والعذرة والعذرى : المعذرة، قال الشاعر :
ها إن ذي عذرة إن لا تكن نفعت
وقال فيها : ولا عذر لمجحود. ﴿لا تُحَرِّكْ بِهِا لِسَانَكَ﴾ : الظاهر والمنصوص الصحيح في سبب النزول أنه خطاب للرسول صلى الله عليه وسلّم على ما سنذكر إن شاء الله تعالى. وقال القفال : هو خطاب للإنسان المذكور في قوله :﴿يُنَبَّؤُا الانسَـانُ﴾، وذلك حال تنبئه بقبائح أفعاله، يعرض عليه كتابه فيقال له : اقرأ كتابك، كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً. فإذا أخذ في القراءة تلجلج من شدّة الخوف وسرعة القراءة، فقيل له :﴿لا تُحَرِّكْ بِهِا لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾، فإنه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك عليك وأن نقرأها عليك. ﴿فَإِذَا قَرَأْنَـاهُ﴾ عليك، ﴿فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ﴾ بأنك فعلت تلك الأفعال. ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾ : أي بيان أمره وشرح عقوبته. وحاصل قول هذا القول أنه تعالى يقرر الكافر على جميع أفعاله على التفصيل، وفيه أشد الوعيد في الدنيا والتهويل في الآخرة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٨١
وفي صحيح البخاري عن ابن عباس : أنه عليه الصلاة والسلام كان يعالج من التنزيل شدّة، وكان بما يحرك شفتيه مخافة أن يذهب عنه ما يوحى إليه لحينه، فنزلت. وقال الضحاك : السبب أنه كان عليه الصلاة والسلام كان يخاف أن ينسى القرآن، فكان يدرسه حتى غلب ذلك عليه وشق، فنزلت. وقال الشعبي : كان لحرصه عليه الصلاة والسلام على أداء الرسالة والاجتهاد في عبادة الله ربما أراد النطق ببعض ما أوحي إليه قبل كمال إيراد الوحي، فأمر أن لا يعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه، وجاءت هذه الآية في هذا المعنى. والضمير في به للقرآن دل عليه مساق الآية. ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ﴾ : أي في صدرك، ﴿وَقُرْءَانَهُ﴾ : أي قراءتك إياه، والقرآن مصدر كالقراءة، قال الشاعر :
ضحوا بأشمط عنوان السجود بهيقطع الليل تسبيحاً وقرآنا
وقيل : وقرآنه : وتأليفه في صدرك، فهو مصدر من قرأت : أي جمعت، ومنه قولهم للمرأة التي لم تلد : ما قرأت سلاقط، وقال الشاعر :
ذراعي بكرة أدماء بكرهجان اللون لم تقرأ جنينا
﴿فَإِذَا قَرَأْنَـاهُ﴾ : أي الملك المبلغ عنا، ﴿فَاتَّبِعْ﴾ : أي بذهنك وفكرك، أي فاستمع قراءته، قاله ابن عباس. وقال أيضاً هو قتادة والضحاك : فاتبع في الأوامر والنواهي. وفي كتاب ابن عطية، وقرأ أبو العالية : فإذا قرته فاتبع قرته، بفتح القاف والراء والتاء من غير همز ولا ألف في الثلاثة، ولم يتكلم على توجيه هذه القراءة الشاذة، ووجه اللفظ الأول أنه مصدر، أي إن علينا جمعه وقراءته، فنقل حركة الهمزة إلى الراء الساكنة وحذفها فبقي قرته كما ترى. وأمّا الثاني فإنه فعل ماض أصله فإذا قرأته، أي أردت قراءته ؛
٣٨٧
فسكن الهمزة فصار قرأته، ثم حذف الألف على جهة الشذوذ، كما حذفت في قول العرب : ولو تر ما الصبيان، يريدون : ولو ترى ما الصبيان، وما زائدة. وأمّا اللفظ الثالث فتوجيهه توجيه اللفظ الأول، أي فإذا قرأته، أي أردت قراءته، فاتبع قراءته بالدرس أو بالعمل. ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ﴾، قال قتادة وجماعة : أن نبينه لك ونحفظكه. وقيل : أن تبنيه أنت. وقال قتادة أيضاً : أن نبين حلاله وحرامه ومجمله ومفسره.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٨١


الصفحة التالية
Icon