وقرأ عبد الله وابن أبي إسحاق والأعمش وابن محيصن وابن عامر وعاصم : رب والرحمن بالجر ؛ والأعرج وأبو جعفر وشيبة وأبو عمرو والحرميان برفعهما ؛ والأخوان : رب بالجر، والرحمن بالرفع، وهي قراءة الحسن وابن وثاب والأعمش وابن محيصن بخلاف عنهما في الجر على البدل من ربك، والرحمن صفة أو بدل من رب أو عطف بيان، وهل يكون بدلاً من ربك فيه نظر، لأن البدل الظاهر أنه لا يتكرر فيكون كالصفات، والرفع على إضمار هو رب، أو على الابتداء، وخبره ﴿لا يَمْلِكُونَ﴾، والضمير في ﴿لا يَمْلِكُونَ﴾ عائد على المشركين، قاله عطاء عن ابن عباس، أي لا يخاطب المشركون الله. أما المؤمنون فيشفعون ويقبل الله ذلك منهم. وقيل : عائد على المؤمنين، أي لا يملكون أن يخاطبوه في أمر من الأمور لعلمهم أن ما يفعله عدل منه. وقيل : عائد على أهل السموات والأرض. والضمير في منه عائد عليه تعالى، والمعنى أنهم لا يملكون من الله أن يخاطبوه في شيء من الثواب.
٤١٥
والعقاب خطاب واحد يتصرفون فيه تصرف الملاك، فيزيدون فيه أو ينقصون منه. والعامل في ﴿يَوْمٍ﴾ إما ﴿لا يَمْلِكُونَ﴾. وقد تقدم الخلاف في ﴿الرُّوحُ﴾، أهو جبريل أم ملك أكبر الملائكة خلقة ؟ أو خلق على صورة بني آدم، أو خلق حفظة على الملائكة، أو أرواح بني آدم، أو القرآن وقيامه، مجاز يعني به ظهور آثاره الكائنة عن تصديقه أو تكذيبه. والظاهر عود الضمير في ﴿لا يَتَكَلَّمُونَ﴾ على ﴿الرُّوحُ وَالْمَلَئاِكَةُ﴾. وقال ابن عباس : عائد على الناس، فلا يتكلم أحد إلا بإذن منه تعالى. ونطق بالصواب. وقال عكرمة : الصواب : لا إله إلا الله، أي قالها في الدنيا. وقال الزمخشري : هما شريطتان : أن يكون المتكلم منهم مأذوناً لهم في الكلام، وأن يتكلم بالصواب فلا يشفع لغير مرتضى لقوله تعالى :﴿وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى ﴾. انتهى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٩
﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ﴾ : أي كيانه ووجوده، ﴿فَمَن شَآءَ﴾ : وعيد وتهديد، والخطاب في ﴿أَنذَرْنَاكُمْ﴾ لمن حضر النبي صلى الله عليه وسلّم، واندرج فيه من يأتي بعدهم، ﴿عَذَابًا﴾ : هو عذاب الآخرة لتحقق وقوعه، وكل آت قريب. ﴿يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ﴾ : عام في المؤمن والكافر. ﴿مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ من خير أو شر لقيام الحجة له وعليه. وقال الزمخشري، وقاله قبله عطاء : المرء هو الكافر لقوله :﴿إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا﴾، والكافر ظاهر وضع موضع الضمير لزيادة الذم. ومعنى ﴿مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ من الشر لقوله :﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَالِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾. وقال ابن عباس وقتادة والحسن : المرء هنا المؤمن، كأنه نظر إلى مقابله في قوله :﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ﴾. وقرأ الجمهور :﴿الْمَرْءُ﴾ بفتح الميم ؛ وابن أبي إسحاق بضمها ؛ وضعفها أبو حاتم، ولا ينبغي أن تضعف لأنها لغة يتبعون حركة الميم لحركة الهمزة فيقولون : مرؤ ومرأ ومرء على حسب الإعراب، وما منصوب بينظر ومعناه : ينتظر ما قدّمت يداه، فما موصولة. ويجوز أن يكون ينظر من النظر، وعلق عن الجملة فهي في موضع نصب على تقدير إسقاط الخافض، وما استفهامية منصوبة تقدّمت، وتمنيه ذلك، أي تراباً في الدنيا، ولم يخلق أو في ذلك اليوم. وقال أبو هريرة وعبد الله بن عمر : إن الله تعالى يحضر البهائم يوم القيامة فيقتص من بعضها لبعض، ثم يقول لها بعد ذلك : كوني تراباً، فتعود جميعها تراباً، فإذا رأى الكافر ذلك تمنى مثله. وقيل : الكافر هنا إبليس، إذا رأى ما حصل للمؤمنين من الثواب قال :﴿الْكَافِرُ يَالَيْتَنِى كُنتُ تُرَابَا ﴾ كآدم الذي خلق من تراب واحتقره هو أوّلاً. وقيل :﴿تُرَابَا ﴾ : أي متواضعاً لطاعة الله تعالى، لا جباراً ولا متكبراً.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٤٠٩


الصفحة التالية
Icon