ألم تكن في رسوم قد رسمت بهامن كان موعظة يا زهرة اليمن
يقولها لشاعر سمى نفسه به في قوله :
أبلغ كليباً وأبلغ عنك شاعرهاإني الأعز وإني زهرة اليمن
فجاء به جرير على جهة الهزء. وقرىء : إنك، بكسر الهمزة. وقرأ الحسن بن علي بن أبي طالب على المنبر، والكسائي بفتحها. ﴿إِنَّ هَاذَا﴾ : أي الأمر، أو العذاب، ﴿مَا كُنتُم بِهِا تَمْتَرُونَ﴾ : أي تشكون. ولما ذكر حال الكفار أعقبه بحال المؤمنين فقال :﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِى مَقَامٍ أَمِينٍ﴾. وقرأ عبد الله بن عمر، وزيد بن علي، وأبو جعفر، وشيبة، والأعرج، والحسن، وقتادة، ونافع، وابن عامر : في مقام، بضم الميم ؛ وأبو رجاء، وعيسى، ويحيى، والأعمش، وباقي السبعة : بفتحها ؛ ووصف المقام بالأمين، أي يؤمن فيه من الغير، فكأنه فعيل بمعنى مفعول، أي مأمون فيه، قاله ابن عطية. وقال الزمخشري : الأمين، من قولك : أمن الرجل أمانة، فهو أمين، وهو ضد الخائن ؛ فوصف به المكان استعارة، لأن المكان المخيف كان يخوف صاحبه بما يلقى فيه من المكاره. وتقدم شرح السندس والإستبرق. وقرأ ابن محيصن :﴿وَإِسْتَبْرَقٍ﴾، جعله فعلاً ماضياً. ﴿مُّتَقَابِلِينَ﴾ : وصف لمجالس أهل الجنة، لا يستدبر بعضهم بعضاً في المجالس. ﴿كَذَالِكَ﴾ : أي الأمر كذلك. وقرأ الجمهور :﴿بِحُورٍ﴾، وعكرمة : بغير تنوين، لأن العين تقسمن إلى حور وغير حور، فهؤلاء من حور العين، لا من شهلن مثلاً. ﴿فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا﴾ : أي الخدم والمتصرفين عليهم، ﴿بِكُلِّ فَاكِهَةٍ﴾ أرادوا إحضارها لديهم، ﴿ءَامِنِينَ﴾ من الأمراض والتخم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠
﴿لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ﴾. وقرأ عبيد بن عمير : لا يذاقون، مبنياً للمفعول. ﴿إِلا الْمَوْتَةَ الاولَى ﴾ : هذا استثناء منقطع، أي لكن الموتة الأولى ذاقوها في الدنيا، وذلك تنبيه على ما أنعم به عليهم من الخلود السرمدي، وتذكير لهم بمفارقة الدنيا الفانية إلى هذه الدار الباقية. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف استثنيت الموتة الأولى المذوقة قبل دخول الجنة من الموت المنفي ؟ قلت : أريد أن يقال : لا يذوقون فيها الموت البتة، فوضع قوله :﴿إِلا الْمَوْتَةَ الاولَى ﴾ موضع ذلك، لأن الموتة الماضية محال ذوقها في المستقبل، فإنهم يذوقونها. وقال ابن عطية : قدر قوم إلاّ بسوى، وضعف ذلك الطبري وقدرها ببعد، وليس تضعيفه بصحيح، بل يصح المعنى بسوى ويتسق. وأما معنى الآية، فتبين أنه نفى عنهم ذوق الموت، وأنه لا ينالهم من ذلك غير ما تقدم في الدنيا. وقرأ أبو حيوة :﴿وَوَقَاهُمْ﴾، مشدداً بالقاف، والضمير في ﴿يَسَّرْنَاهُ﴾ عائد على القرآن ؛ و﴿بِلِسَانِكَ﴾ : بلغتك، وهي لغة
٤٠
لعرب.﴿فَارْتَقِبْ﴾ النصر الذي وعدناك ﴿إِنَّهُم مُّرْتَقِبُونَ﴾ فيما يظنون الدوائر عليك وفيها وعد له عليه السلام ووعيد لهم ومتاركة منسوخة بآيات السيف.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٣٠


الصفحة التالية
Icon